حكايات من الواقع: ابتسامة ملائكية.. وأطلال امرأة!
كتبت/ مي عبد المجيد
قبل أن أكتب لك ترددت كثيرا فقد كنت أعيش منعزلة عن الناس تماما لفترة طويلة تعرضت خلالها لمعالجات نفسية وجلسات تأهيل اجتماعي أعانتني علي الخروج بعض الشيء من شرنقة اليأس الذي أحاطني بسياج مطبق علي قلبي وروحي أختنق منه ببطء إلي ما لا نهاية
أعيش ببقايا روح تحتضر وكل من حولى يحدثونى عن حياة جديدة لا يعرفون أنى أحتضر وإن كنت مازلت على قيد الحياة لا يدرون أن الحياة التى ضاقت بوجود ابنتى فيها سرعان ما تضيق بى أنا الأخرى وألحق بها. ولكني مازلت أشعر بالعجز وإن كنت قد حققت بعض التوازن النفسي واستطعت تجاوز أزمتي في التعامل مع الناس بل وخرجت إلي عملي بعد أن ابتعدت عنه قرابة السنوات الثلاث السنوات هي عمر عزلتي
منذ أن فقدت ابنتي الوحيدة في تجربة هي الأقسي والأشد ألما في حياتي بعد صراع طويل مع مرض شرس لا يرحم نشب أنيابه في جسد ابنتي بلا رحمة فانطفأت جذود الحياة في قلبها واتشحت البراءة بالسواد في ليلة لم يعقبها نهار جديد، كنت أحتضنها بكلتى ذراعي وكأني أتشبث بها كي لا تغادرني، أصارع الموت بقلب أم يكتوي خوفا وفزعا،
خارت قواها فاستسلم اليأس منها وتواري الأمل شيئا فشيئا، تحشرجت روح الصغيرة وأبت إلا أن تستريح من عذاباتها بالموت نهاية لكل شيء. كنت أصرخ بملء في أناديها توسلا ورجاء ألا تغادرني فروحي متعلقة بها تأبي علي أن تستكين بدونها ولكنها الأقدار كتبت علي الموت علي قيد الحياة أما ثكلي ليس لها من سند في الحياة غير زوج لم يكن لها سند ولا رفيق فهو يعلم أني بعد ولادتي ابنتي الراحلة عقم الرحم مني ولم أعد قادرة علي الإنجاب
.. لم يمض عام علي رحيل ابنتنا حتي انفصل عني، لم يطق حزني وحالتي النفسية المتردية، لم ينفق مليما واحدا علي علاجي، قرر أن يقفز من السفينة سريعا قبل أن تغرق وراح لامرأة أخري يبحث بين يديها عن عوض تنجبه له .. غادرني وأنا غائبة عن الدنيا تسري الدماء في عروقي بلا حياة .. ومضت الأيام بطيئة تتثاقل الأحزان فيها يوما بعد يوم بذكريات بطعم الموت أريده راحة وشوقا لصحبة ابنتي وأملي في الحياة.
ولكن عيشي علي الدنيا لم ينقطع وتجاوزت عزلتي ببطء تأهلا وتعايشا حتي استفقت شيئا فشيئا وطوال فترة مرضي كان والدى إلي جواري يضمد بحنانه جراحي حتي تلتئم أستمد منه قوتي وألملم بقايا إرادة تزرع في النفس صبرا وصلابة .. اصطحبني إلي الأراضي الحجازية معتمرة تتطهر النفس مني بيقين راسخ في حكمة الله وقدره وأملا أن أطوي صفحات الذكريات المؤلمة وأبدأ من جديد.
هناك توافقت مع نفسي من جديد وامتلأت نفسي صفاء وراحة، كنت أغمض عيني أري صغيرتي تطوف من حولي بجناحي ملاك، تبتسم لي، تمد لي يد البراءة تنتشلني من عثرتي، تهب لي أملا لم يكن له وجود وتعدني باللقاء يوما نشرب فيه سويا من أنهار الجنة ترياقا وشفاعة وأملا في رحمة الله ورضوانه.
عدت مع أبي وقد ولدت من جديد، بقلب ينبض بالأمل، وعدت لعملي لم يعد يعنيني الرجل الذي كان لي زوجا وغادرني نكرانا، كل ما أفكر فيه كيف أتقرب إلي الله وأحتمي بعبادتي من الزلل واليأس،
ولكن أزمتي لم تتوقف عند هذا الحد فأبي يريدني أن أبدأ حياتي من جديد، أتزوج من رجل آخر وعبثا حاولت أن أقنعه أني بقايا امرأة لا أصلح لحياة رجل أعذبه معي ولا أهبه الذرية التي يريدها، أتألم كثيرا لعجزي عن إرضاء والدى وإسعاده بموافقتي، أراه يتألم لي وليس أمري في يدي.
كيف لي العيش مع رجل بأطلال روح وذكريات لا تفارقني؟ كيف أعيش معه مستقبلا وأنا مازلت رهينة ماض لا يغادرني؟
م . س
ترفقي بنفسك فما تحملين من ثقل أكبر مما تتحمله قدرتك علي التعايش مع الحياة التي وهبها لك الخالق عز وجل فبالتأكيد يا ابنتى عندما تتعاظم الصدمة على النفس يختل التوازن النفسى إلى حد كبير ولكن الإنسان جبل فى الحياة على الصبر فى المكاره والتسليم بأقدار الله سبحانه وتعالى .
. حاولي أن تعيدي قراءة الأحداث المؤلمة التي مررت بها وكيف تهاوت بك الدنيا حتي أصبحت علي حافة النهاية منها ولولا رحمة الله بك ما استمرت بك الحياة ولكنه سبحانه وتعالي وهبك فيها العيش من جديد وهذا لحكمة كما كانت الأقدار بك قاسية لحكمة لا يعلمها غيره عز وجل، وإن كنت علي حد تعبيرك استطعت التوافق مع الحياة وتجاوز اليأس فلما لا تتمسكي بالأمل من جديد.
وكما تقلبت بك صفحات الدنيا يأسا بالتأكيد مازالت هناك صفحات ملؤها الأمل واليقين بالله وسعادة تنتظرك هي الرسالة التي أرسلتها لك ابنتك بابتسامتها الملائكية ويد تمدها لكي تنتشلك من الماضي لحياة جديدة تبتسم لك الدنيا فيها من جديد.
وتذكري قول الله تعالي ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنـا إليه راجعون) وقوله تعالي ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) هذا وعد من الله سبحانه وتعالي كتبه علي عباده وأنه سيكون لكل عبد نصيب منه أصلح الله نفسك للخير وعوضك عن البلاء صبرا وسعادة إن شاء الله.
صدقيني يا ابنتي إن والدك الذي حاوطك بحنانه لا يريد لك غير الخير وأن يطمئن عليك قبل أن يرحل عنك فهو لن يعيش لك أبدا وما يريده لك لهو الصواب تصلحين به نفسك وروحك الملتاعة
اقرأ أيضًا:
رفض الإبادة الممنهجة فى غزة ومساعى نقل الحرب لبلادنا
شكوك بين الديمقراطيين حول قدرة بايدن على هزيمة ترامب
إطلاق 5 ملايين رسالة إرشادية للمعتمرين عبر الشاشات الإلكترونية
الاحتلال لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس
زيزو وفتوح يحصلان على راحة من تدريبات الزمالك بعد الانضمام للمنتخب
دكتور يوسف شلتوت اخصائي أمراض النساء والتوليد في حوار خاص للرأي العام المصري والإجابة عن أهم الأسئلة المتداولة
الصحة: فحص 5 ملايين و474 ألف طفل ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع