اتركوها فإنها جيفه منتنه (2)
أليست عروه الاسلام ونسبكم له كافي .
بقلم : عادل ابوطالب المعازى
(العصبية) و(القبلية) يمكن أن نعرّف (العصبية القبلية) بأنها: (تضامن قوم تجمعهم آصرة النسب ونصرة بعضهم بعضاً ظالمين أو مظلومين ضد من يناوئهم). فعن بِنْتِ وَاثِلَةَ بْنِ الأسْقَعِ أَنَّهَا سَمِعَتْ أَبَاهَا يَقُولُ قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَصَبِيَّةُ قَالَ أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْم)، ومنها كما قلت عصبية النسب أو العصبية القبلية التي هي مدار حديثنا هنا.
ومن خصال الجاهلية توجد أو تتفشى العصبية القبلية في كثيرٍ من المجتمعات الإسلامية وبخاصة العربية منها وفي جزيرة العرب تحديداً، فقد أنبأ بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منذ أربعة عشر قرناً فأخبر أن ثلاث خصال من خصال الجاهلية تظل في أمته ولايدعها أهل الإسلام منها التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب فعن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ثلاث لم تزلن بأمتي: التفاخر بالأحساب، والنياحة، والأنواء).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ثلاث من فعل الجاهلية لا يدعهن أهل الإسلام: استسقاء بالكواكب، وطعن في النسب، والنياحة على الميت). وفي رواية أحمد بن حنبل رحمه الله: (ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الإسلام النياحة على الميت، والاستسقاء بالأنواء، وكذا، قلت لسعيد وما هو؟ قال دعوى الجاهلية يا آل فلان يا آل فلان يا آل فلان).
إذًا فالتعصب القبلي – كغيره من الخصال الثلاث – لا يزال باقيًا في أمة الإسلام كما أخبر بذلك نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، ولكن بقاءه لايعني أنه أصبح أمرًا مقبولًا أو واقعًا محتومًا يعذر المسلم إذا ما سايره أو انخرط فيه، فليس هذا هو المعنى المقصود من الأحاديث بل المقصود هو تحذير الأمة من اتّباع عادات الجاهلية والانسياق خلف دعاواها الباطلة.
ما معرفة الشخص لنسبه إلا نعمة خالصة من الله فهو سبحانه شاء لك أن تولد ابن فلان الفلاني ولوشاء سبحانه أن تولد ابن فلان من الناس لنَفَذَتْ مشيئة الله، إذًا فالنسب نعمة تستحق الشكر لاالفخر ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة حيث قال: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ)، وقبل ذلك قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13] فالله سبحانه يقول (لتعارفوا) وليس لتفاخروا وتعاظموا. فليس عيبًا أن يعرف الإنسان نسبه حتى يتحقق التعارف بين الناس شعوبهم وقبائلهم، ولكن العيب أن يكون ذلك مدعاة للتعاظم والتعالي على غيرهم. فمابال أقوام ينحون هذا المنحى ويدعون بهذه الدعوى والله سبحانه قد وضع الميزان الذي لايختل ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ وللحديث بقية ان شاء الله