اتركوها فإنها جيفه منتنه (3)
الحسد على النعمه أحد أسباب العصبيه والطعن وسب الانساب .
بقلم : عادل ابوطالب المعازى.
جاء عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ» (رواه مسلم: [934]). من رأيتموه يفخر بنسبه ويطعن في غيره فاعرفوا أن فيه من أمر الجاهلية. إنّ احتقارَ الآخرين، والتعاليَ على إخوانك من المؤمنين، ليس من صفاتِ أولياء الله المخلصين، ولا أحبابِه المسلمين، قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى؛ بُولَسَ! تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ؛ طِينَةَ الخَبَالِ» (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ: سنن الترمذي: [2492]، صحيح الجامع: [3129]). لم يخلُق الله قبيلةً ولا عائلة، ولا شعبًا ولا أمَّةً منزهةً عن الخطأِ والزلل، ولم يجعل الله سبحانه شخصًا من الأشخاص، ولا فردًا من الأفراد، ولا وليًّا من الأولياء، ولا صالحًا من الصالحين معصومًا مبرءًا من العيوب والأخطاء، إلاَّ الملائكة والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فيا أيها المحتقر غيرك! هلا تذكرت نفسك، وما فيها من عيوب وأخطاء! يا أيها الطاعن في الأنساب! لا تفتخر بنسبك على غيرك، فلربما كان أحد الأجداد كافرًا! فهذا من دعوى الجاهلية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «…وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟! قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ المُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللَّهِ». سنن الترمذي: [2863]). عَنْ قَتَادَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ رضي الله عنهما قَالَا: “كَانَ بَيْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ شَيْءٌ، فَقَالَ سَعْدٌ وَهُمْ فِي مَجْلِسٍ: “انْتَسِبْ يَا فُلَانُ!”، فَانْتَسَبَ، ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ، ثُمَّ لِلْآخَرِ، حَتَّى بَلَغَ سَلْمَانَ، فَقَالَ: “انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ!”، قَالَ: “مَا أَعْرِفُ لِي أَبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنِّي سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ”، فَنَمَى ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ وَلَقِيَهُ: “انْتَسِبْ يَا سَعْدُ!”، فَقَالَ: “أُشْهِدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!”، قَالَ: “وَكَأَنَّهُ عَرَفَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ حَتَّى انْتَسَبَ”، ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ، حَتَّى بَلَغَ سَلْمَانَ، فَقَالَ: “انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ!”، فَقَالَ: “أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِالْإِسْلَامِ، فَأَنَا سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ”، قَالَ عُمَرُ: “قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْخَطَّابَ -والد عمر- كَانَ أَعَزَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا عُمَرُ ابْنُ الْإِسْلَامِ، أَخُو سَلْمَانَ فِي الْإِسْلَامِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا؛ لَعَاقَبْتُكَ عُقُوبَةً يَسْمَعُ بِهَا أَهْلُ الْأَمْصَارِ، أَمَا عَلِمْتَ -أَوَمَا سَمِعْتَ- أَنَّ رَجُلًا انْتَمَى إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ، وَانْتَمَى رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَرَكَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، فَكَانَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ” (جامع معمر بن راشد [11/438]، رقم: [20942]). قَالَ مَالِكٌ فِي (الْمُدَوَّنَةِ): “مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا حَبَشِيُّ، أَوْ يَا فَارِسِيُّ، أَوْ يَا رُومِيُّ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُنْسَبُ إِلَى آبَائِهَا، وَهَذَا نَفْيٌ لَهَا عَنْ آبَائِهَا” (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: [5/453)]. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: “انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: “أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟!”، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً، -افتخر بهم وكلهم كفار- فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: “أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الْإِسْلَامِ”». قَالَ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّ قل لهَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ: أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوِ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ! فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ! فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ» (مسند أحمد: [35/ 110]، ح: [21178]، الصحيحة: [1270]). أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وتوبوا إليه، فإنه يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات. الخطبة الآخرة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد؛ لا ننسى -يا عباد الله!- أنّ الأفرادَ الذين ليس لهم قبائلُ وعائلات، فعليهم الجِدُّ والاجتهاد في الدينِ والعلمِ، والتعلُّم والتعليم، فيسوِّدهم ذلك على الناس، ويصبحوا رؤوساً يُشار إليهم بالبنان، ويحمدون كلَّ وقتٍ وآن، فهذا بلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم، لم يضرهم عدم القبيلة فكان انتسابهم للإسلام خير انتساب، علت مكانتهم، وارتفعت منزلتهم عن العرب والعجم، وهذا القرشي العربي أو لهب وغيرهم ممن خسر الدين والعلم، يسبُّوا ويلعنوا كلما لعن كافر وشتم مشرك، فالإسلام يُعِزُّ أهله. والعلم يرفع بيوتًا لا عماد لها *** والجهل يهدم بيوت العزِّ والكرم وما أجمل أن نورد شِعرًا نسبه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) إلى أبي الأسود الدؤلي، هنا: الْعِلمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ *** فَاطْلُبْ -هُدِيتَ- فُنُونَ الْعِلْمِ وَاْلأدبا لا خَيْرَ فِيمَنْ لَهُ أَصْلٌ بِلاَ أَدَبٍ *** حَتَّى يَكونَ عَلَى مَا زَانَهُ حَدِبا كَمْ مِنْ كَرِيمٍ أَخِي عِيٍّ وَطَمْطَمَةٍ *** فَدْمٍ لَدَى الْقَوْمِ، مَعْرُوفٍ إِذَا انْتَسَبَا فِي بَيْتِ مَكْرُمَةٍ آبَاؤُهُ نُجُبٌ *** كَانُوا الرُؤُوسَ فَأَمْسَى بَعْدَهُمْ ذَنبا وَخَامِلٍ مُقْرِفِ اْلآبَاءِ ذِي أَدَبٍ *** نَالَ المَعالِيَ بِاْلآدَاب وَالرُّتَبَا أَمْسَى عَزيزًا عَظِيمَ الشَّأْنِ مُشْتَهِرًا *** فِي خَدِّهِ صَعَرٌ قَدْ ظَلّ مُحْتَجِبا قَدْ يَجْمَعْ الْمَرْءُ مَالاً ثُمَّ يُحْرَمُهُ *** عَمَّا قَلِيل فَيَلْقَى الذُلَّ وَالْحَرَبَا وَجَامِعُ الْعِلْمِ مَغْبُوطٌ بهِ أَبَدًا *** وَا يُحَاذِرُ مِنْهُ الْفَوْتَ وَالسَّلَبَا أعود وأذكر بقول رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا»، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم: [2564]). وفي الختام: انصر قبيلتك وعائلتك؛ ظالمةً أو مظلومة، «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟! قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» (رواه البخاري: [6952]). وصلوا -عباد الله- على الهادي البشير، محمد أكرم رسول وخير نذير؛ فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمَّدٍ صاحب الوجه المنير، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ- وعن الآلِ والصحب ومَن على نهجهم إلى الله يسير؛ وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا عزيز يا قدير. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداءنا أعداء الدين، ومن شايعهم من المستعمرين الغاصبين، وألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلحْ قادتهم، واجمع كلمتهم على الحقِّ يا ربِّ العالمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا؛ واجعل وِلايتنا فيمن خافك واتقاك يا أرحم الراحمين.