الشعور بالغُربة عن الواقع.. اضطراب اختلال الآنية
بقلم /محمد منير حمدان
إنه شعور غريب ذلك الذي ينتابك حين تكون وسط مجموعة من الناس يتحدثون و أنت تشاركهم الحديث، لكن فجأة تحس بالغربة،تحس أن هذا ليس أنت و أن تلك ليست مشاعرك، كأنك في حُلم مزعج لا تفهم أبعاده،
إننا جميعاً نشعر بهذه الغربة بعد الصدمات، فالمخ لا يستوعب الشيء الجديد أو غير المألوف بسهولة، لحسن الحظ فهذا الشعور لا يستمر طويلاً، و ربما يستمر لفترة في حالات مدمني الحشيش، المهم أن ذلك الشعور يتلاشى،
لكن ماذا لو أصبح هذا الشعور ملازماً للشخص طوال الوقت ؟
يسمى ذلك باضطراب اختلال الآنية و يعاني الشخص المصاب به من الشعور المستمر بأنه غريب عن الناس، عن الواقع، بل و عن نفسه،
ينظر لنفسه في المرآة فلا يعرف بالضبط هل ما يراه هو انعكاس لصورته فعلاً أم أن وجهه ارتبط بجسد شخص أخر، المشكلة هي أنه لا يستطيع التعبير عن مشاعره،
لا يستطيع وصف ما يحس به و ذلك ما يشعره بالغربة أكثر، فمثلاً حين يسأله شخص عن حاله قد يقول “أحس أنني لستُ أنا “،
فكيف يمكن لأي إنسان أن يفهم بواطن ذلك الشعور الغامض، أن تكون وحيداً في مشاعرك و لا يفهمك أحد بالمعنى الحرفي،
المريض أيضاً يفهم أن تلك المشاعر ليست بالضرورة صحيحة وهو ما يجعله طوال الوقت يبحث عن نفسه كي يفهم من هو فعلاً،
يشعر كما لو كان يكتب رواية وهو نفسه أحد شخصياتها، كأنه يراقب نفسه من فوق، لا يشعر بالوقت أبداً، لا يتواصل مع ذكرياته،
بل يحس أنها ذكريات شخص أخر، لا يحس بعضلاته و لا يفهم كيف يمكنه التحكم فيها، لكن السؤال الأهم الآن ،
هل يمكن لأي شخص أن يصاب بهذا الاضطراب ؟
ينتشر هذا الاضطراب في نحو 2% من البشر وهي نسبة ليست هينة أبداً، و هناك آراء كثيرة تقول بأن السبب في الإصابة هو أن المخ يهرب من مواجهة الواقع
فإذا تعرض الإنسان لموقف مؤلم فإنه بدلاً من المواجهة يقوم بكبت تلك المشاعر ثم يتخذ العقل الباطن
زمام الأمور، فمثلاً إذا رأيت أمامك حريق ضخم فمن العدل أن تصرخ أو تهلع أو تحس بالدوار، استجابة طبيعية تتناسب مع موقف صعب،
لكن ماذا لو رأيت شخص لا يصرخ و لا يند عن جسده شيء، بل هو ساكن كالجماد، مخه لم يستوعب الموقف بسهولة فلم يتخذ إجراءً فعلياً،
و هنا يظن الشخص أن الموقف سيُنسى و قد يُردم عليه للأبد، لكن استجابة العقل الباطن تكون في شكل الشعور بالغربة عن الواقع كدلالة جسدية على أن الصدمة .
ما زلت لصيقة في عقل الشخص، و مادمنا نتحدث عن الصدمة فإن صدمات الطفولة لها دور كبير في هذا الأمر،
فتعنيف الطفل و الضرب المبرح أو رؤية الطفل لشخص قريبه يموت أمامه، كل هذه الأمور قد تزيد من فرص الإصابة،
و أيضاً قد يكون السبب هو قلة النوم، أو التعرض لضغوط نفسية، أو تعاطى المخدرات، باختصار لا أحد يعرف حتى اليوم السبب في هذا الاضطراب .
حسب الدليل التشخيصي للاضطراب النفسية، فإنه لا يمكن تشخيص أحد بهذا الاضطراب إلا إذا استمرت الأعراض لأشهر و ربما سنوات،
و أيضاً لا يمكن التشخيص إلا إذا لوحظ أن هذه الأعراض تعطل الشخص عن التواصل الاجتماعي و تسبب له الضيق و تجعله دائم الشعور بأن هناك شيء ما يطبق على صدره،
و هناك عدة اضطرابات ترتبط بهذا الاضطراب مثل :
1- اضطراب فقدان الذاكرة الانشقاقي، يأتي هذا الاضطراب عادة بعد الصدمات و قد ينسى الشخص اسمه،
قد ينسى تاريخ ميلاده، لكنه لا ينسى كل شيء، في الواقع تنتقي ذاكرته أشياء معينة لينساها كأنها لم تحدث، فمثلاً كما قلتُ سابقاً فإن مشاهدة أمر مفزع كحريق ضخم يمكن أن يجعل المخ يتلاشى تلك الذكرى
و يوهم الشخص أنها موجودة تجنباً للشعور بالحزن من جديد، و قد يؤدي ذلك إلى تجنب الذهاب إلى الأماكن التي حدثت فيها الصدمة .
2- اضطراب الهوية الانشقاقي،أظن أن أغلبنا يعرف هذا الاضطراب، إذ يتميز بأن الشخص يعيش حياته بشخصيتين أو أكثر،
المشكلة في هذا الاضطراب أنه ممتع جداً في السينما، لكن لا يمكن لأحد تصديق أن هذه الأعراض يمكن أن تحدث في الواقع فعلاً، بل أول ما نفكر فيه هو أن الشخص ملبوس أو معتوه أو محسود،
و هذا الأمر لا ينطبق على الناس في الشوارع فقط، فأغلب المختصين بالعلاج النفسي في مصر لا يعترفون بهذا الاضطراب، و سأحاول في مقال أخر أن أتحدث عنه بالتفصيل .
و الآن كيف يمكن التعامل مع هذه الاضطرابات ؟
في البداية يحاول الطبيب أن يكتشف الصراع الداخلي الذي أدى إلى هذا الأمر، و بعدما يتم المتابعة بالعقاقير،
و هناك عدة نصائح بشأن تعامل الأهل مع المصاب أوردها الدكتور نبيل القط في كتاب دليل الصحة النفسية، حيث أشار إلى أن أغلب الحالات تزول بعد ساعات،
لذلك طمئن المريض إذا كان قريبك و حاول أن تكون بجانبه و لا تتعجل التعافي، و كن صبوراً و استمع جيداً و لا تتعجب مما يقال لك .
و في النهاية قد لا يملك أغلبنا رفاهية الشكوى، و أقصد هنا برفاهية الشكوى أن يكون لك صديق مستعد لسماع معاناتك دون ممل أو الذهاب لمعالج نفسي،
و من الغريب أننا نركز على شخص يستمع فقط، لا نريد حلولاً منطقية ،بل بلغة العلاج النفسي نريد أن نفرغ انفعالاتنا التي تطبق على صدورنا، لكن هناك شخص ننساه دوماً و لا يرد ذكره إلا عندما نتلظى بألم الدنيا،
إنه الله، تخيل أن الله يسمعك، يعلم ما يجيش في نفسك و ما يعتمل بصدرك دون أن تتحدث، ينتظر منك أن تشكو له فقط،
فلا تترد في الشكوى لله، انفرد بنفسك و لا تخجل من البكاء، هذه الطريقة في العلاج فعالة و تكاد تكون علاجاً بذاتها، أن تشكو و تغضب و تبكي لله، فقط .
اقرأ أيضًا:
ندوات الإستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الإجتماعي
الرئيس يوجه بمواصلة تطوير قطاع الأعمال والتوسع في استخدام السيارات الكهربائية
مجلس جامعة المنصورة يستعرض تقريرا عن الاختبارات الالكترونية بالجامعة
وزير الزراعة يبحث مع المستثمرين العرب والأجانب فرص الاستثمار الزراعي والسمكي في مصر
محافظ الإسكندرية: دمج شبكة الأمطار بالصرف الصحي تم بدون دراسة وتسبب في غرق الإسكندرية
الجيش المصري يتقدم في الترتيب العالمي والأول عربياً وافريقياً
نقدم لكم من خلال موقع (الرأى العام المصرى )، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
