فتنة الابتلاء وجزاء الصابرين
بقلم :الدكتورة هبة المالكي مدرس مدرس مدرس بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بالمنصورة
سُئل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ يُبتَلى الناسُ على قدر دينهم فمن ثَخنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه ومن ضعُف دِينُه ضعُفَ بلاؤه وإنَّ الرجلَ لَيصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ
أي: لا يَنفَكُّ العبدُ المؤمِنُ مِن البلاءِ فيظَلُّ مُبتَلًى، في نَفسِه، وأولادِه ، ومالِه، حتَّى يَمشي في الناس ما عليه خَطيئة ، أي: حتَّى يُكفِّرَ اللهُ عنه بذلك البلاءِ كلَّ ذُنوبِه وخَطاياه حتَّى إذا لَقِي اللهَ يكونُ قد طَهُر مِن كلِّ الذُّنوبِ والآثامِ الَّتي ارتكَبها،
فابتلاء الإنسان بالشر والخير فتنة يمحص الله بها الخبيث من الطيب وهو أعلى وأعلم
قال تعالى :
“كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ “(سورة الأنبياء الآية 35)
وفي موضع آخر ورد النهي عن عدم التعلق بالدنيا ومفاتنها وعدم الفرح بها أو الحزن عليها قال تعالى :
” لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ” ( الحديد 23)
والمعنى: لكيلا تحزنوا، (عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) من الدنيا، فلم تدركوه منها، (وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) منها.
فالدنيا دار ابتلاء وحري بالإنسان أن لايركن إليها وليعلم أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا دار نعبر بها إلى الدار الآخرة فالله عز وجل هو القائل:
” وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، (العنكبوت: الآية 64)
فالدار الآخرة فيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها.
وحري بالإنسان أن يسعى لتحقيق النعيم الدائم الذي لا انقطاع فيه
فيجب على الإنسان أن يقابل نعم الله بالشكر وأن يقابل البلاء بالصبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.
فالصبر على البلاء من أفضل النعم وهذا حال المسلم الحق وأما من نقص إيمانه فيقابل الابتلاء بالبعد عن منهج الله وينقلب هائما على وجهه يرتع في نعم الله ولايشكر فيتسلط عليه شيطانه فيضل أعاذنا الله عز وجل من ذلك
قال تعالى :
“وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (الحج 11)
*أما عن كيفية استقبال البلاء
فهو كما أوضحه لنا المولى عز وجل بقوله : ” فَلَوْلا إذْ جاءَهُم بَأسُنَا تَضَرّعُوا ولكِنْ قَسَتْ قُلُوبهم” (الأنعام 43)
وقد وعد الله سبحانه وتعالى باستجابة الدعاء بقوله :
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” ( غافر 60)
* وأما عن وعد الله للصابرين
فقد مدح الله عز وجل الصابرين في آيات عديدة :
قال تعالى: “وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” (البقرة 177) .
وأخبر بمحبته للصابرين، فقال تعالى:
” وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” (آل عمران 146)
ووعدهم أن يجزيهم أحسن مما عملوه، فقال تعالى: “وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون” (النحل الآية 96)
نسأل الله عز وجل الثبات على الأمر وأن نقابل النعم بالشكر والابتلاءات والمحن بالصبر