عيسى بيومي يكتب: «خلف الحُجُب» لمريم هرموش.. حلم يتخطى المنطق إلى اللامعقول!
كتبت/ مي عبد المجيد
شغف البحث عن الحقيقة، حقيقة الوجود، حقيقة الحياة، حقيقة أنفسنا، تلك هي قصة “خلف الحجب” كما فهمتها وتأملت معانيها، قصة إنسان تساءل
عن معنى ما يحيطه من واقع غير مفهوم وغير معقول، قصة إنسان غاص في ذاته عسى أن يدرك كينونتها ومن ثم يلتمس مقدرتها على الفهم وحدود
ما تستطيعه من إدراك المعنى. وبين صراع العقل والقلب اختلط واقعه بخياله أو تسلل واقعه لأحلامه، جرفته الآلام والآمال لطموح أن يكون الجزء الضئيل
الذي يمثله أشمل وأكبر من الكل الذي ينتمي إليه، ولم يكن ذلك معقولا ولا ممكنا، فظل يدور في حلقات متشابهة، في نهايتها يعود إلى حيث بدأ.
الرواية تمزج الشعور بالفكر والانفعال بالتأمل في حبكة قصصية من طراز رفيع، لا فكاك لمن يجذبه فضوله ليطلع على أول سطورها من أن تأسره بخيوطها وتدفق سردها حتى تسلمه إلى نهايتها، لتبدأ حلقة أخرى من الأسر بمعانيها وصورها التي تسللت إلى الوعي وقبعت في أعماقه
خلف طبيعتنا المتسائلة دوما لماذا وكيف وأين، ثم نقر بعجزنا عن الفهم ويتخلل قلوبنا الحزن، لكنه ليس حزن الخسارة وإنما حزن التطلع المحبط لما هو ليس في
استطاعتنا ويتخطى حدودنا. ولقد حاول بوذا في تجربته – كما حاول ويحاول وسيحاول غيره – وآب بذات النتيجة، وهي أن الألم والمعاناة وعدم الرضا صفات جوهرية للحياة في هذا العالم.
ولكن ألا يمكن تطويع النفس على الحب والارتقاء به نحو عالم مختلف؟ وإذا نبض قلبك بالحب فلا تقبل التضحية به ثمنا للطمأنينة والأمان، لأنه لا طريق
للحقيقة الكبرى غير طريقه، مهما كانت شجاعة المحاولة وجرأة البحث والاستكشاف، هذا إذا كنت حقا مخلصا في نشدانها. وذلك ما تطرحه الرواية من تحدٍ أمام البطل، فهل صمد للألم وارتقى بحبه للحقيقة المنشودة ليحقق المستحيل؟
أحب البطل الفتاة الجميلة شمس فحمله حبها إلى عوالم وأزمنة متداخلة، بل سما به أحيانا فوق الزمان والمكان، وكان شغفه بالحقيقة دافعه ليلتقي يونس المعمر ليهديه مفتاح اللغز حيث ينسجم الحب والحكمة في إطار يستحيل علينا إدراك كنهه واستبصار محتواه. فكل حقيقة نكتشفها
وراءها حقيقة نجهلها كما حاولت سيدة النهر أن توحي إليه؛ والبحث يمضي بلا نهاية مهما تواترت الأزمنة وتعاقبت الأجيال، قصر العمر أم طال. فلا شئ سوى الفراغ
والسكون كما يحدثنا السارد المنفصل عن ذاته فيقول: “اتسع المشهد أمامي ليحوي بداخله عوالم كثيرة متداخلة، الماضي والحاضر والمستقبل، جميعهم في مشهد واحد يجسد اللحظة الآنية، لا وجود للزمان والمكان..”
وهذا ما يجب أن ننتبه إليه أيضا ونمعن التأمل فيه؛ وهو عنصر الزمن. فهذه الرواية العجيبة تبدأ بوصف السارد لقرية لم يختبر أهلها الشعور بالنعاس والاستسلام
للذة النوم أو الأحلام طوال أعمارهم التي تتناقص جيلا بعد جيل على مر الزمان، إلا يونس المعمر كان الاستثناء الوحيد الذي شذ عن القاعدة فيقال إنه قايض الزمن
بصوته ليصبح أكبر معمر في القرية على مدار أجيال امتدت عبر الزمن، وإن صحبه أحيانا صدى في الفضاء ينصح البطل الحائر: “ما الأشياء بأشكالها وألوانها سوى حجب، فتش عما وراء الحجب.”
ولا تغفل سيدة النهر من أن تذكّره بأن: “كل شئ سيعيد نفسه مجددا إلى أن يتدحرج الزمان والمكان معا إلى الهاوية. فكل آت ماض، وكل ماض سيعود.”
وتظن حبيبته شمس أنها تدله وتهديه وهي تصرح له: “أرشدتك إلى عالم الأحلام حتى نلتقي في هذه المساحة الشاردة بعيدا عن يد الزمان والمكان.” ويتساءل البطل في منتصف الرواية متذكرا يونس المعمر: “ألم ألتق به وبنفسي في الماضي والحاضر معا في آن واحد؟”.
هذا الغموض الذي يكتنف الحدث زمنا ومكانا؛ يحمل البطل تارة لواقع افتراضي يكتنف القرية التي ولد فيها ونشأ بين أهلها، وتارة يختفي به محلقا في عالم غير مرئي وهو لم يبرح مكانه، فيقول: “لم يشغلني إلى أين سيمضي بي ذلك الطريق المعلق بين السماء والأرض بعد أن
تيقنت بأن الحلم والحقيقة لا يفصل بينهما إلا الوعي، وأن المسافة بينهما ليست سوى مسافة افتراضية.” هنالك يقترب قليلا من جوهر إنسانيته وتميزها عن جميع الخلائق الحية؛ فبدون الوعي يختفي معنى الزمن وتأفل ذات الإنسان.
ومن يتذكر سيدهارتا في قصة الأديب الألماني هيرمان هيسا ورحلته الروحية لاكتشاف نفسه، وتجاربه لمعرفة ذاته والوجود الذي يحيطه؛ يدرك أننا جميعا
كجنس بشري نبحث عن إجابة واحدة لسؤال تتعدد صوره وأنماطه بتعدد صورنا وأنماطنا، ولا يختلف الأديب إلا في حدة شوقه للإجابة واتقاد حسه للمعرفة وطموحه للمستحيل.
ومهما كان سمو الإدراك فنبض القلب هو المفتاح المضئ الذي يهتدي به المرء سواء في واقع غير معقول أو حلم يتخطى المنطق إلى اللامعقول؛ وفي هذا استطاعت مريم هرموش باقتدار أن تنقل لنا تجربتها الفريدة في البحث عن جواب كلنا نعلم عن يقين أنه غير متاح.
اقرأ أيضًا:
رفض الإبادة الممنهجة فى غزة ومساعى نقل الحرب لبلادنا
شكوك بين الديمقراطيين حول قدرة بايدن على هزيمة ترامب
إطلاق 5 ملايين رسالة إرشادية للمعتمرين عبر الشاشات الإلكترونية
الاحتلال لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس
زيزو وفتوح يحصلان على راحة من تدريبات الزمالك بعد الانضمام للمنتخب
دكتور يوسف شلتوت اخصائي أمراض النساء والتوليد في حوار خاص للرأي العام المصري والإجابة عن أهم الأسئلة المتداولة
الصحة: فحص 5 ملايين و474 ألف طفل ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع