الدكرورى يكتب عن الأضاحى “الجزء الأول”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن المال في الأساس هو مال الله عز وجل وأن العبد مستخلف فيه، فمن أنفق ماله في مرضاة ربه أخلف عليه نفقته، وتقبل منه، وأجزل له المثوبة، ومن بخل فإنما يحرم نفسه الأجر العظيم، فينبغي أن يسارع كل قادر مستطيع إلى عقد النية على شراء الأضحية وذبحها تقربا إلى الله تعالى وطمعا في رضاه وحسن ثوابه، ولقد شرع لنا ربنا عز وجل الأضحيةَ بقوله تعالى “فصلى لربك وانحر” وهي من نعمة الله على عباده أن يشرع لهم ما يشاركون به الحجاج فالحجاج لهم الهدي وغيرهم لهم الأضحية فجعل لغير الحجاج نصيبا مما للحجاج، كترك الأخذ من الشعر في أيام العشر لمن أراد أن يضحي من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله تعالى، بترك الأخذ من هذه الأشياء.
وبالأضحية نقتدي بأبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدّق الرؤيا، ولبّى الأمر وتله للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم، والأضحية سنة وهذا قول جمهور الفقهاء من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لحديث السيدة أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئا” رواه مسلم، فجعل الأضحية مردودة إلى إرادة المسلم وما كان هكذا فليس واجبا، لكن تتأكد الأضحية على من وسع الله عليه بالمال فهي سنة مؤكدة بل بعض أهل العلم يوجبونها، ومن فوائد الحديث أن الذي ينهى عن أخذ الشعر والظفر هو المضحي فمن وكل غير بذبح أضحيته فالذي يمسك هو الموكل مالك الأضحية لا الوكيل.
وكذلك من يشرك أولاده وزوجته في أضحيته لا يجب عليهم أن يمسكوا عن أخذ الشعر والظفر لأنهم ليسوا مضحين إنما مضحى عنهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرك أزواجه في أضحيته ولم ينقل عنه أنه كان يأمرهن بالإمساك من أخذ الشعر والظفر، والمشروع أضحية واحدة أو أكثر فالتضحية من العمل الصالح الذي يشرع الإكثار منه إذا كان الحامل عليه طلب الثواب والأجر لا المباهاة والمفاخرة فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة وقد كان صلى الله عليه وسلم يرسل إلى البيت وهو في المدينة أكثر من هدي، وإن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها فالذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد فإن نفس الذبح وإراقة الدم عبادة مقصودة.
فقال تعالى “قل إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين” ولهذا لو تصدق الحاج عن دم المتعة والقران بأضعاف القيمة لم تبرأ ذمته حتى يذبح الهدي، وإن الأولى أن يضحي الشخص ببلده وإن كانت تشق عليه الأضحية الغالية فيشتري أضحية رخيصة في بلده، ويساعد المحتاجون من المسلمين في الخارج بصدقة التطوع والزكاة، والنبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالضأن والبعض يسأل هل البربري من الضأن أم من الماعز فالجواب، أنه ذكر أهل العلم ضابطا للتفريق بين الضأن والماعز، فقال القرطبي في تفسيره أن الضأن ذوات الصوف من الغنم، والمعز من الغنم خلاف الضأن، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار، فعلى هذا فالبربري الموجود عندنا.
الذي له إليه من الضأن يجوز ذبحه في الأضحية والعقيقة والهدي وإن لم يتم سنة، فمن شروط الأضحية السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فلا تجزئ العوراء البين عورها وهي التي قد انخسفت عينها وذهبت وكذا إن بقيت حدقتها مع عدم الإبصار فإن كان بها بياض لا يمنع النظر أجزأت، وكذلك العمياء لا تجزئ فإذا كانت العوراء وهي قد فقدت عينا واحدة فالعمياء من باب أولى فذكر العوراء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى والله أعلم، وكذلك لا تجزئ المريضة البين مرضها وهي التي يبين أثره عليها لأن ذلك ينقص لحمها ويفسده فإن كان مرضا يسيرا غير بين أجزأت لمفهوم حديث البراء رضي الله عنه.