الذكاء الاصطناعي الاهتمام الاول في الشرق الأوسط
بقلم/عبدالله رجب
قد يصبح الشرق الأوسط المركز التالي للذكاء الاصطناعي
هناك تصورات ذهنية وصور نمطية لدى الغرب تظهر مباشرة عند ذكر منطقة الشرق الأوسط، ولكن خلال أقل من عقد واحد من المتوقع أن يتبدل الحال لتكون واحدة من أكبر مراكز الذكاء الاصطناعي في العالم. ويشرح هذا المقال كيف يمكن للشرق الأوسط تحقيق ذلك.
ما يزال الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط في طوره الأولى، ومع ذلك فقد تم إحراز تقدم جيد؛ إذ إن نطاق تأثيراته على المجالات المتعددة في المنطقة آخذة في الازدياد على الرغم من الصورة النمطية السيئة في أن منطقة الشرق الأوسط تعتمد على النفط وخالية من أيّ ابتكارات. تشق هذه المنطقة طريقها لتصبح رائدة في مجال التكنولوجيا الناشئة في المستقبل القريب. فقد أطلقت الإمارات العربية المتحدة مؤخراً أولى رحلة لها إلى المريخ، كأول دولة عربية تهدف إلى استكشاف الفضاء. وكانت دول الشرق الأوسط سباقة في استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاربة فيروس كورونا.
الذكاء الاصطناعي يحل محل النفط في الشرق الأوسط
ويُعرف الشرق الأوسط تقليدياً بموارده النفطية، ولكن بحسب الخبراء فإن هذا النمط سيتغير، إذ إن صدمة النفط الأخيرة جعلت العديد من دول الشرق الأوسط تعيد النظر في هياكلها الاقتصادية والبحث عن مصادر مستدامة تعتمد على التكنولوجيا لتنويع الاقتصاد.
وضعت الحكومات خططاً طويلة الأجل لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي كحافز اقتصادي، أو لتحسين كفاءة القوى العاملة، وخفة الحركة في الهيكل الحكومي. ويتم الآن تنفيذ برامج الذكاء الاصطناعي بدعم مباشر من الحكومات، وبالمقابل سيكون للشركات في المنطقة إدارات لتنفيذ برامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على المدى القصير.
البلدان ذات الاعتماد الأعلى على النفط في طليعة تبني الذكاء الاصطناعي.
لدى المملكة العربية السعودية خطط طموحة لتبني الذكاء الاصطناعي؛ إذ أنشأت معهداً حكومياً يسمى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) لتطوير الذكاء الاصطناعي والإشراف عليه وزيادة الوعي به، ويرتبط هذا المعهد بالمكتب الوطني لإدارة البيانات السعودي ومركز المعلومات الوطني. وفضلاً عن ذلك، تتبني السعودية مدينة نيوم الذكية؛ لتحويلها إلى مركز تكنولوجي كجزء من برنامج رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع الإيرادات بعيدًا عن النفط.
تأسس مركز قطر للذكاء الاصطناعي في شباط 2019. إن تعليم مبادئ الذكاء الاصطناعي للطلاب وتكييف المناهج الجامعية مع الذكاء الاصطناعي واكتساب المواهب هي المسؤوليات الرئيسة لهذا المركز. وتعدُّ الإمارات الدولة الأسرع نمواً والأكثر تقدماً في المنطقة من حيث تبني الذكاء الاصطناعي، إذ أسست أولى جامعة ذكاء اصطناعي في العالم في أبو ظبي وعينوا شاباً يبلغ 27 من العمر عاماً وزيراً للذكاء الاصطناعي، وهي المرة الأولى التي تنشئ فيها دولة وزارة مخصصة للذكاء الاصطناعي، وصرّح الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات العربية رئيس مجلس الوزراء قائلاً: “نريد أن تصبح الإمارات أكثر دول العالم استعداداً للذكاء الاصطناعي”.
يوجد حالياً أكثر من 60 شركة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة، ويتزايد العدد عاماً تلو الآخر. وإن إحدى هذه الشركات هي شركة ديرك، التي تعدّ شركة محلية ناشئة مقرها دبي، وتهدف إلى استثمار الذكاء الاصطناعي في مجال الطرق في الإمارات. يستخدم البرنامج مدخلات من كاميرات المرور وأجهزة الاستشعار المدمجة مع خوارزميات تعلم الآلة للتنبؤ بحركات الطريق. ثم، عبر تقنية V2X، يرسل الجهاز إشارات إلى مراكز التحكم في حركة المرور والمركبات المتصلة به.
آفاق 2030: سوق بقيمة 320 مليار دولار
يتزايد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، وإن الاعتراف بقوته في تحديث الاقتصاد وتنويعه يحظى باهتمام كبير؛ لذلك تسعى الحكومات جاهدة لدمجه في صميم السياسات الاقتصادية، لكن الأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط، بل من شأن الذكاء الاصطناعي أن يؤدي دوراً أكبر في الصحة، والفضاء، والتعليم، والبيئة، والنقل.
سيكون لمساهمة الذكاء الاصطناعي في اقتصاد الشرق الأوسط تأثير كبير بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تتفوق السعودية، والإمارات، ووقط، ومصر على العديد من البلدان وتحقق أكبر المكاسب في مجال الذكاء الاصطناعي.
وإشارة إلى دراسة صادرة عن شركة PWC، فإن التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا سيقدر بحوالي 320 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وهو ما يعادل 2% من الفوائد العالمية. في الواقع، سيكون للذكاء الاصطناعي الحصة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي. إن النمو السنوي المتوقع للذكاء الاصطناعي في مختلف أنحاء المنطقة يتراوح بين 20% إلى 34% سنوياً.
توصلت دراسة شركة PWC إلى أنه من المحتمل أن يساعد الذكاء الاصطناعي بمبلغ 135.2 مليار دولار في اقتصاد السعودية بما يعادل 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تصل في الإمارات إلى 13.6% بحلول عام 2030؛ أي ما يعادل 96.0 مليار دولار.
تبلغ حصة الذكاء الاصطناعي المتوقعة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر 7.7%، أي ما يعادل 42.7 مليار دولار بحلول عام 2030. وإن بعض دول مجلس التعاون الخليجي مثل البحرين، وعمان، والكويت، وقطر تؤدي دوراً رئيساً في آفاق 2030 للذكاء الاصطناعي. وتقدر مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان بـــ 45.9 مليار دولار، أو 8.2%.
استراتيجية التحول إلى الذكاء الاصطناعي
لدى دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجية قوية لتصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة، إذ أجرت تعاوناً كبيراً مع شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة لتغيير المشهد في البلاد. وتتضمن خططها الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؛ لتحويل دبي إلى مدينة ذكية بنحوٍ تام، والارتقاء بالبناء إلى المستوى الجديد باللجوء إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتحسين النقل باتباع استراتيجية النقل المستقل في دبي.
وتحرص السعودية على ألا تتخلف عن الركب، ولديها في سبيل ذلك استراتيجية محددة جداً تدعى رؤية 2030؛ وتهدف الاستراتيجية إلى تنويع الاقتصاد وتقويته وتطوير البنى التحتية في الصحة والتعليم والسياحة. وكجزء من خطة رؤية 2030، قررت المملكة العربية السعودية إدراج شركة أرامكو إلى سوق البورصة.
قال الدكتور أحمد الثنيان، نائب وزير التكنولوجيا والصناعة والقدرات الرقمية في السعودية: “نحن نحتضن الذكاء الاصطناعي ونستكشف كيفية استخدامه بطريقة مبتكرة ومسؤولة وأخلاقية من شأنها تعزيز أهداف رؤية 2030. وقد استثمرت الحكومة حوالي 3 مليارات دولار أمريكي حتى الآن في بناء البنية التحتية حتى تكون الدولة جاهزة للذكاء الاصطناعي بالنحو الذي يجعلها رائدة في استخدامه”.
يساعد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي دول المنطقة على ترسيخ مكانتها وتقليل الآثار الاقتصادية لحقبة ما بعد النفط. فمن منظور سياسي فإن وجود اقتصاد متنوع وقوي من الممكن أن يحول توازن القوى في الشرق الأوسط إلى دول استثمرت المزيد في الإبداع والذكاء الاصطناعي. ومع نضوب الزيت، يتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي بنحوٍ أكثر جدية.
يتبع كل من الشرق الأوسط وأفريقيا مسارين مختلفين
تستخدم بلدان الشرق الأوسط الذكاء الاصطناعي لأغراض تجارية في الغالب، بما في ذلك جذب العملاء، وتحسين العمليات، وتحويل المنتجات والخدمات، لكن في أفريقيا، ينصب التركيز الأساس للذكاء الاصطناعي على زيادة كفاءة الزراعة في إنتاج المزيد من المحاصيل، وضمان الأمن الغذائي.
المتبنون الأوائل والمنافع التجارية
خلص بحث (R & D) إلى أن تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي سيكون لهما تأثير كبير في التغييرات الجوهرية للأعمال في الشرق الأوسط، ففي حين يتمثل الاستخدام الأساس للذكاء الاصطناعي في جعل المدن أكثر ذكاءً وأماناً، لكن يتم أيضاً مراعاة الاستخدامات الأخرى مثل الرعاية الاجتماعية، وإلغاء الأعمال الورقية.
على وفق مسح أجراه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من مديرين تنفيذيين في الشرق الأوسط وأفريقيا، أطلقت 82% من الشركات الكبرى في مختلف أنحاء المنطقة برامج الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية عام 2019. وتوقع 44% من المشاركين أن يساعد الذكاء الاصطناعي بنسبة 21-30% من عملياتهم التجارية في السنوات الثلاث المقبلة.
وعلى نحو مماثل، توقعت شركة IDC أن يصل الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى 374 مليون دولار في عام 22020.وتعدُّ البنوك، وتجارة التجزئة، والحكومة، والاتصالات من رواد الإنفاق على الذكاء الاصطناعي.
تعد الحكومات في المنطقة، في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، من أوائل الدول التي تبنت الذكاء الاصطناعي. ويتمثل الاستخدام الأساس للذكاء الاصطناعي للحكومات في جعل المدن أكثر ذكاءً أو حتى أكثر أماناً؛ وبالتالي فسيحقق للذكاء الاصطناعي التنمية المستدامة والمساعدة في نشوء اقتصاد قائم على الابتكار.
وبدأ عدد متزايد من الشركات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا مسيرتهم في دمج منهجيات الذكاء الاصطناعي في مركز عملياتهم. ويعد تغيير المشهد الصناعي وتسريع التحول الرقمي من الحوافز الرئيسة في جميع أنحاء المنطقة للتحرك نحو الذكاء الاصطناعي.
بدأت مجموعة الإمارات -باعتبارها أكبر شركة طيران في المنطقة- جهودها منذ عام 2015 لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وتقديم تجربة سفر تعتمد على التكنولوجيا.
وقد أنشأت المجموعة فريقاً مخصصاً يدعى “إدارة تغيير المؤسسات” لتنفيذ المبادرات الاستراتيجية عبر المؤسسة. وفي العام نفسه، وقعت شركة الاتحاد للطيران ومقرها أبو ظبي صفقة بقيمة 700 مليون دولار مع شركة (ABM)؛ لتعزيز خبرتها في مجال التكنولوجيا.
تُبنى أساسيات اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في الغالب على النفط والسياحة والعقارات
شكلت هذه القطاعات الجزء الأكبر من الاستثمارات في المنطقة على مدى العقود الماضية. إلا أن الذكاء الاصطناعي على وشك إحداث آثاره على معايير الاستثمار في الشرق الأوسط.
يشكل انخفاض أسعار النفط، والأزمة الصحية غير المسبوقة بانتشار فايروس كورونا، والنمو الاقتصادي البطيء، تهديداً خطيراً للاستثمار في مستقبل الشرق الأوسط؛ الأمر الذي يرغم المستثمرين على إعادة النظر في خططهم للاستثمار في المنطقة.
ومع استعداد الذكاء الاصطناعي لتغيير قواعد اللعبة، فإنه سيعيد تحديد أنماط الاستثمار في المنطقة. لقد نما الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي نمواً كبيراً في الأعوام الأخيرة. ومن المتوقع أن يسلك الشرق الأوسط المسار نفسه، وتتدفق أموال المستثمرين إلى الشركات الناشئة القائمة على الذكاء الاصطناعي بدلاً من العقارات.
وبما أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط ما تزال غير مستثمرة، فهناك فرصة كبيرة للمستثمرين لتحقيق المزيد من عائد الاستثمار. وإن التنوع العرقي والإثني، والقوى العاملة المتعلمة، والسكان الذين يزيد عددهم عن 400 مليون نسمة، جميعها حوافز جيدة التي قد تدفع المستثمرين المحتملين إلى الاستثمار.
بلغ إجمالي عدد الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من عام 2008 إلى عام 2018 حوالي 9.07 مليار دولار أمريكي، ويتزايد العدد عاماً بعد عام.
على وفق تقرير الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وأفريقيا الصادر عن شركة Microsoft، فإنه من حيث التبني والتطبيق، تتصدر تكنولوجيا المعلومات نسبة 47%، والبحث والتطوير وتطوير المنتجات 30%، والعمليات اللوجستية 20%.
أجرت مجلة فوربس مسحاً لـ 100 من المديرين التنفيذيين في مجموعة شركات في الشرق الأوسط، وأظهرت النتائج أن الشركات الإقليمية لا تتخلف عن منافسيها على مستوى العالم من حيث تبني الذكاء الاصطناعي. بينما أجاب 26% من المشتركين أنهم نفذوا استراتيجية الذكاء الاصطناعي بالكامل، في حين أن برنامج الذكاء الاصطناعي ما يزال في مرحلة التجريب أو الاختبار بالنسبة لـ 55% منهم.
وتتمثل أهم ثلاث فوائد تجارية للذكاء الاصطناعي للمديرين التنفيذين الذين شملهم الاستطلاع: تحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز اكتساب العملاء، وتحسين تجربة العملاء. وعلى النسق نفسه، فإن المتطلبات التنظيمية والتأثير على الموظفين وصيانة الأنظمة تعد المخاطر الرئيسة التي يواجهها المديرون التنفيذيون.
تعدّ مجالات خدمة العملاء، والقطاع العام، وإدارة تكنولوجيا المعلومات، والتصنيع، والخدمات اللوجستية، وإدارة سلسلة التوريد، والتمويل أكثر المجالات المرشحة لتلقي أكبر قدر من المساعدة من الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة.
يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي من الشركات في الشرق الأوسط التعرف على أساسيات الذكاء الاصطناعي وقدراته أولاً، ثم إجراء تغييرات في نماذج أعمالها واستراتيجياتها بحيث تتوافق مع الذكاء الاصطناعي. وإن توظيف مواهب جديدة، وتثقيف الموظفين، وإشراك الذكاء الاصطناعي في قرارات عالية المستوى أو استراتيجية، هي خطوات أخرى على المنظمات الإقليمية اتخاذها في المستقبل.