بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
مقالات

السلام أصبح لاتفعيل له

 

بقلم: أحمد الغنام

هكذا أصبح العنف أمرطبيعي في عصرنا بفعل وسائل الإعلام، واحداثً متواترا نستهلكه كما نستهلك أي شيء آخر، في حين بات السلام مفهومًا لا تفعيل له على أرض الواقع.

يكفي أن نفتح أي قناة إعلامية حتى نجد أسبابًا للاعتقاد أن الكائن البشري عنيف بطبعه وذو نزعة تدميرية، وأننا نسير يدًا بيد نحو الهاوية، فأخبار الحروب والنزاعات المسلحة والإبادات والقمع والاغتيالات والتفجيرات الانتحارية في كل أرجاء العالم تقف شاهدة على هذه الحقيقة.

هكذا أصبح العنف مُسلَّمة بدهية في عصرنا بفعل وسائل الإعلام، واحداثً متواترًا نستهلكه كما نستهلك أي شيء آخر، في حين بات السلام مفهومًا لا تفعيل له على أرض الواقع.

ربما تشهد هذه الحوادث على أن الإنسان يعيش حاليًّا في أكثر لحظات التاريخ عنفًا، لكنها ربما تشهد على أن مفهومنا الحديث عن السلام نفسه أصبح أكثر اتساعًا وحساسية من أي وقت مضى.

هذا التوتر الدائم في عالمنا، والاضطراب الذي تقدمه يوميًّا وكالات الأنباء باعتباره خرقًا للعادة، وحوادث العنف التي تبدو انفجارات متفرقة مختلفة الشدة في نسيج السير الطبيعي والهادئ للأشياء، يفترض بالفعل مجموعة من المقولات، السلام إنجاز هش، وفرص خرقه ممكنة دائمًا إذا لم نكن منتبهين بما يكفي، وتجنُّب هذا الخرق يتطلب حزمًا في الضبط من أجل إرساء السلام وضمان استمراره.

نحن أمام فكرتين عن السلام تبدوان في تناقض، فالسلام هو الحالة الطبيعية للأشياء، ومن هنا يكتسب العنف بريقه كحدث يستحق انتباهنا، والسلام حالة شديدة الهشاشة في الوقت نفسه.

من هنا مثلًا القلق الدائم والأحاديث التشاؤمية عن «حرب عالمية ثالثة» أصبحت وشيكة لو لم تُراجع البشرية مسارها الحالي.

يرتبط بهذا الفهم الملتبس للسلام مجموعة من الأفكار عن الطبيعة البشرية وسلطة القانون، كلها حديثة السن جدًّا، لكنها تؤسس كل أفكارنا الحالية عن السلام والعنف.

الفكرة الأولى التي تؤسس لمفهومنا الحديث عن السلام هي أن الإنسان كائن يميل للعنف بطبيعته.

راجت هذه الفكرة بشدة في القرن العشرين مع تأسيس التحليل النفسي، إذ عرضها فرويد في كتابه «قلق في الحضارة»، مؤكدًا أن الإنسان «ليس ذلك الكائن الطيب السمح، ذا القلب الظمآن إلى الحب، الذي يزعم الزاعمون أنه لا يدافع عن نفسه إلا إذا هوجم.

إنما هو على العكس من ذلك، كائن تنطوي غرائزه على قدر لا يستهان به من العدوانية».
يميل الإنسان في هذا التصور إلى «تلبية حاجته العدوانية على حساب قريبه، وإلى استغلال عمله دون تعويض، وإلى وضع اليد على أملاكه وإذلاله، وإلى إنزال الآلام به واضطهاده وقتله». باختصار، «الإنسان ذئب للإنسان»، والتاريخ يشهد على
هذا الشر الكامن في الطبيعة البشرية، والذي يفضي بالضرورة إلى العنف، يتطلب تقنينًا من أجل ضمان السلام.

فإذا كان الشر كامنًا في الطبيعة البشرية، من الذي يريد السلام إذًا؟ ولماذا يبذل البشر كل هذا الجهد في إدانة العنف ما داموا أشرارًا؟.

فهي تفترض أن الإنسان في حالته الطبيعية يختلف عن الإنسان في حالته المتحضرة، لكن الإنسان في حالته الطبيعية مفهوم مُتخيَّل. فكل البشر يعيشون داخل مجتمعات ويخضعون لقواعد سلوك وقانون، وهذه «الحالة الطبيعية» للإنسان ليست أكثر من قصة خيالية.

إذا التفتنا للأرقام والإحصاءات الفعلية، ربما نجد أننا نعيش في زمن أكثر سلامًا من ذي قبل، وأن عدد الحروب، في الواقع، ينخفض تدريجيًّا. هذا ما يقوله «ستيفن بينكر»، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد،إذ تتبع تاريخ العنف بناء على كمية هائلة من المصادر والمعطيات التي وثقت الصراعات والحروب والإبادات الجماعية والمجازر، ابتداء من العصور القديمة وصولًا إلى العصر الحالي.

هل يظهر هنا الجانب الطيب من «الطبيعة البشرية»؟ إذا لم تكن الطبيعة البشرية أكثر من وهم، فما القوة التي تقود انخفاض وتيرة العنف وصدمتنا المتزايدة تجاهه في الوقت نفسه؟ هذا هو مفهومنا المعاصر عن السلام «حالة طبيعية للأشياء، وحالة هشة معرضة دائمًا للخرق في الوقت نفسه، بسبب الطبيعة البشرية التي تبحث عن أي فرصة للمناورة وإخراج العنف.

والحل، مزيد من فرض السلام على العالم قسرًا بقوة القانون».

نحاول هنا أن تتبع تطور فكرة السلام من خلال عرض بعض الآراء التي طرحت هذه الفكرة في الماضي والحاضر، بدءًا بالمفكرين الذين ناقشوا السلام باعتباره مفهومًا تابعًا وثانويًّا بالنسبة إلى مفهوم الحرب، والذين ركَّز معظمهم على ضرورة وجود كيان سياسي ضابط وقوي يطبق القانون ويُلزم الأفراد وباقي الدول بالخضوع له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى