العار بقلم أحمد الوحش
بقلم أحمد الوحش
«أمك دي ممرضة بليل قاعدة في نايت»… بينما أسيرُ في الشارعِ سمعتُ هذا المقطع من أحد المهرجاناتِ الشعبيةِ صادراً من أحد التكاتك بصوتٍ عالٍ، شعرتُ فجأةً أن عقلي توقفَ للحظاتٍ من أثرِ الصدمة، لم أتخيل يوماً أن يستخدمَ أحدهم وظيفةً شريفةً كمصدرٍ للإهانةِ.
تدرسُ تلك الأمُ طوال حياتها، وتسهرُ الليالي؛ لتساعدَ أبناءها في دراستهم، وتداويهم في مرضهم، بعد أن حملتهم تسعةَ أشهرٍ، ووضعهم وهناً على وهنٍ، وتصبرُ عامين؛ لتفطمَ الابن/ة، ثم يسبُ أحدهم تلك الأم المكافحة في الحياة، قد تكون أماً لأحدنا في روايةٍ أخرى، أو أماً لجارٍ أو صديقٍ، أليست كل امرأةٍ بمثابة الأمِ أو الأختِ أو العمةِ أو الخالةِ؟
وظيفةٌ لقبُ من يعملُ بها “ملاك الرحمة” أصبحت اليوم مصدراً للإهانةِ؛ لأن شخصاً لا يحترمُ أمه، ويجهل معنى وقيمةَ الأمِ اعتبرها كذلك، أليس من الأحرى أن نشجعَ الجميعَ على العملِ الشريف؟ هي لم تسرق يوماً، أو تحتال على أحدهم…إلخ؛ لترتبط وظيفتها بوصمةِ عارٍ.
كل إنسانٍ نتاجُ بيئته، ولا يعني أن أحدهم نشأ في منزلٍ لا يقدرُ قيمةَ أمه أن الجميعَ لا يقدرُ قيمةَ أمهاتهم، ولا يعني أن إنساناً يجهلُ قيمةَ الشرفِ أن الآخرين ليسوا شرفاء، فكل إنسانٍ يرى العالمَ بعينِ حاله.
يرددُ الأطفالُ يومياً هذه الكلمات في الشوارع دون وعي أو فهمٍ لمعانيها، ما نتيجة حشو أدمغة الأطفالِ بالرذائلِ والعنفِ؟ بالتأكيد لن ينشأ جيلٌ من الملائكة!
رأيي في المهرجانات كفنٍ ذكرته سابقاً في مقالي “مصير المهرجانات الشعبية”، لكن في النهاية الفنَ ذوقٌ، ولكلِّ إنسانٍ ذوقه الخاص، وحريةُ الاستماعِ لما يريد، وهذا لا يتعارضُ مع انتقاءِ الكلمات، فهناك ضوابط أخلاقية مجتمعية وقانونية يجب ألا يخرج عنها الفن، وأهمها ألا تجرح كلماتها أحداً، أو تحمل إساءةً لفئةٍ معينة، أو تتسبب بوصمة عارٍ لوظيفةٍ ما.
عزيزي القارئ، يمكننا الاستفادة من المهرجاناتِ المنتشرةِ بين مختلفِ الطبقاتِ في نشرِ الفضيلةِ لا الرذيلةِ، فنحن بحاجةٍ ماسة إلى إعدادِ فردٍ سليم؛ ليكون المجتمعُ سليماً.