الغش التجارى.. «بوابة» الربح الحرام
الغش التجارى أصبح ظاهرة ملحوظة، فكلما ارتفعت الأسعار زادت أشكال الغش التى يمارسها بعض التجار من معدومى الضمير تجاه المواطنين، بداية من خفض وزن السلع أو عرضها بأسعار مرتفعة، أو استخدام مكونات رديئة فى تصنيع وإصلاح السلع المعمرة مثل الثلاجات والتليفزيونات وغيرها من الأدوات الكهربائية التى لا تدوم سوى بضعة أشهر ثم تتعرض للتلف.
وكغيرها من الأنشطة، محترفو الغش قاموا بتطوير أنفسهم حيث ظهر نوع جديد من الغش الـ “أون لاين”، يستهدف بحث هؤلاء عن ضحاياهم على صفحات السوشيال ميديا ويبيعون لهم سلعا فاسدة أو تالفة بدءا من المأكولات وحتى الملابس والأجهزة الكهربائية، وحينها لا يستطيع الضحية الشكوى أو استعادة حقه المسلوب خاصة أن هذه الصفحات لا تخضع لأى جهة رقابية.
نوع آخر من الغش التجارى يمارسه بعض المحتكرين مثل تخزين سلعة معينة كما حدث مع الأرز، ففى الوقت الذى أعلنت فيه الحكومة عن تسعيرة جبرية 15 جنيهًا للكيلو المعبأ و12 جنيها للسائب، تلاعب التجار والتفوا حول القرار ولم يجد المواطنون هذه الأرقام فى الأسواق، فى جولتها الميدانية لكشف ممارسات المحتكرين ضد المواطنين ضاربين عرض الحائط بتوجيهات الحكومة.
خسائر بالملايين.. للاقتصاد المصرى سنويًّا
«أصدقاء الشيطان».. هذا هو الوصف الدقيق لممارسى الاحتكار والغش التجارى بمصر، ففى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة لتوفير حياة كريمة وضخ أطنان من المنتجات والسلع بأسعار مخفضة للمواطنين، مازال كبار التجار يقومون بممارسات احتكارية لتحقيق أرباح طائلة على حساب الوطن والمواطنين معا، فهذه الممارسات دائما ما يكون لها آثار ضارة على حياة المواطن وعلى الإقتصاد المصرى ككل.
يوضح الدكتور السيد خضر الخبير الاقتصادى أن الدولة تتكبد مليارات الجنيهات سنويًا نتيجة الغش التجارى، الأمر الذى جعل هناك صعوبة بالغة فى التوصل لرقم محدد لحجم الخسائر فى العديد من القطاعات، مضيفا أن السلع الغذائية لها النصيب الأكبر فى نسبة الخسائر التى تتكبدها الشركات والدولة وتصل إلى ملايين الجنيهات سنويا، مما تسبب فى غياب الثقة فى المنتج المحلى المصرى، وعجز الدولة عن أن تكون مصدرة أكثر منها مستوردة.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن غياب الرقابة من قبل وزارة التموين فى التفتيش المتواصل على الأسواق جعل كبار التجار يتلاعبون فى الماركات ويمارسون الغش التجارى سواء بتقليل حجم السلع أو تقديمها للمواطنين فاسدة وغير مطابقة للمواصفات.
فى السياق، يرى الدكتور عمرو يوسف الخبير الاقتصادى أنه وراء كل كارثة كبرى أياد تتلاعب بمصائر المواطنين لتحقيق أرباح سريعة بطرق غير مشروعة، مؤكدا تحالف قوى الشر لإنتاج كل ما هو غير صالح للاستخدام الآدمى من مواد غذائية وأخرى طبية غير آمنة ومنتجات صناعية ضارة قد تودى بحياة الإنسان أو تساهم فى انتشار الأورام بشكل ملحوظ، إضافة إلى الحوادث والكوارث وكثرة الحرائق الناجمة عن استخدام مواد غير أصلية ومقلدة.
وأضاف «عمرو» أن وجود وسائل التواصل الحديثة وغير المكلفة ساعدت هؤلاء الغشاشين على الوصول لشريحة كبيرة من المستخدمين ليكون الاعلان والدعاية لمنتج بين أيادى الآلاف من البشر، الذين تخدعهم التجارب غير الحقيقية لبعض الأشخاص المأجورين، والذين يتم الاستعانة بهم لاستكمال حلقات التضليل الممنهج ليقع المستهلك فريسة سهلة للخداع المرئى والمسموع.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى كثرة وجود عربات ومحلات لبيع وترويج منتجات غذائية واستهلاكية مجهولة المصدر خلال الفترة الاخيرة، والتى قد تساهم فى إصابة المواطنين بأمراض مستعصية، كما نجد الكثير من الاعلانات عن المنتجات والأدوية الطبية والتى يتم ضبطها وإيقافها بعد استخدام شريحة كبيرة من المواطنين لها.
وأشار الدكتور عمرو إلى دور الدولة الرقابى والذى لن تنجح ألياته إلا بتضافر جهود الأجهزة المعنية مثل وزارات الداخلية والتموين والصحة والزراعة والتجارة كل فيما يخصه، بالإضافة إلى دور جهاز حماية المستهلك والذى منذ إنشائه عام 2006 حتى الآن لم يتهاون فى تحقيق وظائفه واختصاصاته لما له من دور هام فى مواجهة معدومى الضمير.
وأوضح أن أهم اختصاصات الجهاز تتمثل فى حماية المستهلك ورعاية مصالحه وأمواله المهدرة بل ووضع البرامج والقوانين اللازمة لتحقيق ذلك، إضافة إلى دوره فى نشر ثقافة حماية المستهلك، كما يتلقى الجهاز الشكاوى والبلاغات بأنواعها المختلفة فيما يخص مجال حماية المستهلك ليبدأ فى التحقق منها والتحقيق فيما تقدم به المستهلكون من بلاغات، ليصبح بمثابة القاضى الذى يمكن من خلاله وضع الحلول لآلاف القضايا والبلاغات التى تقدم إليه، مشيرا إلى أن الجهاز يتلقى سنويا أكثر من 50 ألف قضية غش تجارى.
أما عن دور المجتمع المدنى، يؤكد الدكتور «عمرو» أن جمعيات حماية المستهلك لها اهمية كبيرة فى هذه الفترة فلابد أن تقوم بدورها الرقابى لتتحول إلى أداة ضغط على المصانع والمنتجين لإنتاج منتجات آمنة، بالإضافة إلى دورها فى توجيه دفة الذوق العام وتوعيته من ضلال «الميديا» وما يتم استخدامه من وسائل جذب خبيثة، وذلك بتقديم النصائح للمستهلك وتوعيته عن الأضرار الناتجة عن استخدام تلك السلع والمنتجات المطروحة فى الأسواق، ومن ثم يمكنها تحذير المستهلك حتى لا يقع ضحية لمثل هذه المنتجات فيما بعد.
—
حملات التفتيش وحدها.. لن تردع الفاسدين
يعد الغش التجارى واحدًا من أهم القضايا التى تؤرق ملايين المصريين حاليا وتمس مصالحهم بشكل مباشر، أو بالأحرى تضر بمصالحهم، فمع ارتفاع الأسعار زادت هذه الظاهرة ليكتوى الجميع بنيرانها، ولتزيد من معاناتهم اليومية، ورغم أن الحكومة تبذل الكثير من الجهود لمواجهة ظاهرة الغش التجارى إلا أنها مازالت غير كافية حتى الآن لمواجهة الظاهرة، ومن ثم أصبح من الضرورى تكثيف هذه الجهود لمواجهتها.
يقول الدكتور مصطفى عبدالرؤوف راشد، خبير إدارة الأزمات بجامعة سوهاج، إن مصطلح الغش التجارى انتشر مؤخرا بشكل كبير بين المواطنين ليشمل كافة أنواع السلع والمنتجات، مع أنه فى الأساس مصطلح قانونى بحت يقصد به عدم استيفاء أحد المنتجات الغذائية الشروط الفنية والقانونية، وأحد أنواعه وأشكاله المتعددة هو إضافة بعض المواد أو تقليلها من سلعة أو منتج معين، حتى يفقد قيمته الفعلية.
وأضاف خبير إدارة الأزمات أن الغش التجارى مرتبط ارتباطا شديدا بالسلع الغذائية، ولكن مؤخرا وخاصة بعد انتشار ما يسمى بالتسويق الإلكترونى عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، ومسارعة بعض أصحاب الشركات والمصانع للترويج لمنتجاتها بشكل مجانى من أجل ضمان تحقيق أكبر قدر من الانتشار وتوزيع المنتجات بطريقة سهلة وغير مربحة، أصبح الأمر أكثر تعقيدا، فكثيرا ما نسمع الآن عن مسألة الغش الإلكترونى، فالمعروض إلكترونيا غير الموجود بالفعل، من حيث الجودة والنوعية أو حتى السعر المعلن.
وتابع: توغلت مشكلة الغش الإلكترونى فى كافة المنتجات سواء كانت غذائية (صناعية أو زراعية) أو ملابس أو منتجات كهربائية، لذلك أصبحت تؤرق العديد من المواطنين ولا سيما فى ظل الأزمات الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الجميع، والتى قد يتولد عنها العديد من المشكلات الأخرى، مثل اختفاء منتجات بعينها من السوق وظهور منتجات بديلة أقل منها فى الجودة وأعلى فى السعر.
ونتيجة لانتشار ظاهرة الغش التجارى بهذا الشكل شددت الحكومة على ضرورة مواجهتها وذلك من خلال الحملات التى تشنها الجهات المعنية بوزارة التموين لضبط الأسواق، وكشفت النتائج عن أرقام صادمة، فقد كشفت شرطة التموين بوزارة الداخلية أنه تم ضبط 1533 قضية متنوعة من بينها ضبط قضية حجب سلع غذائية وبيع بأسعار مبالغ فيها والاستيلاء على السلع المدعومة.
فى محافظة الجيزة شنت مباحث التموين حملة على الأسواق أسفرت عن تحرير 51 قضية تموينية متنوعة بين غش تجارى، وحيازة لحوم ودواجن غير صالحة للاستخدام الآدمى، كما تم ضبط قضايا إنتاج خبز ناقص الوزن، وحيازة كمية من الدقيق المدعم لبيعه بالسوق السوداء.
ومن الجيزة للبحيرة، حيث شنت الأجهزة التنفيذية عدة حملات مؤخرًا أسفرت عن ضبط 62 طن فول به سوس ومنتهى الصلاحية داخل شركة لتعبئة البقوليات بمركز دمنهور.
وفى محافظة الدقهلية تم تحرير 96 محضرا فى مجال المخابز والاسواق والمحلات بعدد من مراكز ومدن المحافظة، خلال 24 ساعة.
ممارسات احتكار السلع من أجل غش المواطنين تجاريًا لم تعد فى السلع الغذائية أو المعمرة فقط بل وصل الأمر إلى الدواء، حيث أعلنت وزارة الداخلية عن القبض على 5 متهمين فى عدة محافظات منها القاهرة والجيزة والدقهلية والمنيا، وضبط بحوزتهم 1810 عبوات بنج أسنان، بقيمة بلغت 1,3 مليون جنيه تقريباً – و5 هواتف محمولة، وبفحص الهواتف المحمولة المضبوطة بحوزة المتهمين فنياً تبين احتواؤها على محادثات نصية بينهم وبين عملائهم على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) وتطبيق (الواتس آب) والتى تؤكد نشاطهم فى عمليات الغش التجارى وعمليات الاحتكار.
من جانبها تسعى الحكومة لمواجهة الغش التجارى ونقص الإمدادات الدولية من السلع الأساسية واحتواء التضخم: تخصيص الاعتمادات الـمالية اللازمةِ لِدعم الفئات الاجتماعية الأَكثر تضررًا، وتكوين مخزون استراتيجى من السلع وانتظام توفيرها وتواجدها فى الأسواق، مع التوسع فى إنشاء المراكز اللوجيستية والتجارية وسلاسل الإمداد والتوريد، وزيادة عدد السلع التموينية المطروحة فى المنافذ، إلى جانب متابعة تطبيق منظومة بيع الخبز المدعم فى محافظات الجمهورية كافة، والتطوير المستمر للمكاتب التموينية.
وبحسب خطة الحكومة لضبط الأسواق ومحاربة الغش التجارى، تم تخصيص 995 مليون جنيه لتطوير 11 مديرية تموينية، و287 إدارة تموين، وتطوير 183 مكتب تموين على مستوى الجمهورية، وذلك على 3 مراحل، على أن تكون المرحلة الأولى بمبلغ 421 مليون جنيه، والمرحلة الثانية بتكلفة 414 مليون جنيه والمرحلة الثالثة بتكلفة 160 مليون جنيه.
كما تم وضع تصور لمشروع التكويد والدمغ بالليزر للحد من الغش التجارى، مع التوسع فى تجهيز المناطق اللوجيستية فى المحافظات لتحفيز وتشجيع الاستثمار فى قطاعات التجارة الداخلية الجملة والتجزئة، والحرص على تطوير مكاتب السجل التجارى على مستوى محافظات الجمهورية، وربطها إلكترونيا وميكنة الخدمات.
وخصصت منظومة الشكاوى الحكومية، التابعة لمجلس الوزراء، بعض الأرقام الخاصة لتلقى بلاغات الغش التجارى، ومنها رقم منظومة الشكاوى الحكومية والخط الساخن لها 16528، ورقم الخط الساخن لجهاز حماية المستهلك وهو 19588، والخط الأرضى لإدارة الرقابة التجارية بوزارة التموين والذى يحمل رقم 0227942638.
ويضع الدكتور مصطفى عبدالرؤوف راشد روشتة العلاج لظاهرة الغش، موضحا أن هناك عددا من الأطراف مشتركة فى انتشار هذه المشكلة، فالمواطن يعد طرفا فيها بتخاذله عن الإبلاغ عن حالات الغش التجارى، وكذلك أصحاب المصانع والشركات والمحلات الذين يسعون لتحقيق أكبر قدر من التوزيع بأقل قدر من التكلفة، كما تعد الأجهزة الرقابية شريكا أساسيا فى انتشارها بتقاعسها عن القيام بدورها المنوط بها على أكمل وجه، مؤكدا أن المسئولية الأكبر تقع على عاتق السلطة التشريعية التى ينبغى لها التصدى لتلك الظاهرة بشكل حازم وقوى من خلال تشريعات رادعة تطبق على المخالفين.
وأوضح «راشد» أن المشكلة تتطلب التدخل السريع من خلال عدة نقاط أهمها:
إعادة تشريع قانون بتغليظ العقوبة القانونية على حالات الغش التجارى، وأن يشمل التشريع الغش التجارى بكافة أنواعه، وألا يقتصر على الغش الغذائى فقط، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، خاصة جهاز حماية المستهلك بشكل فعال، وألا يقتصر دوره على تلقى البلاغات فقط.
وأضاف أنه يجب تحديد عدد من الخطوط الساخنة للأجهزة الرقابية، مع ضرورة التأكد من فاعليتها والترويج لها بشكل كبير، من خلال وضعها فى لوحة الإعلانات المختلفة داخل المحافظات، حتى تصل لأكبر عدد من المواطنين، ولما لا توضع على المنتجات من الأساس قبل توزيعها فى الأسواق.
كما يجب أن أن تقوم الأجهزة الرقابية بالمرور على المحلات والمصانع والشركات بشكل دورى، للتأكد من مطابقة المواصفات الفنية للمنتج أو السلعة مع ما هو معروض بشكل فعلى، ويجب أن يكون هناك مواصفات قياسية يلتزم بها أصحاب المصانع والشركات أثناء تصنيع كافة أنواع المنتجات والسلع، مع ضرورة متابعة المصانع والشركات والتفتيش عليها بصفة دورية.
وطالب «راشد» المواطنين بالشجاعة الكافية والقدرة على تحمل المسئولية بالإبلاغ عن كافة حالات الغش التجارى.
قطع غيار السيارات وأسلاك الكهرباء.. على رأس القائمة
تعددت أشكال الغش التجارى وأصبحنا نشاهدها بشكل شبه يومى مما يسفر عن آلاف الضحايا، فالغش ليس متوقفا على السلع الغذائية فقط أو تداول منتجات ناقصة الأوزان والمحتويات، بل إن الأمر وصل لكل شئ تقريبا بما فى ذلك المنتجات الكهربائية خاصة الأسلاك المضروبة من خلال تزوير العلامات التجارية لبعض الشركات الكبرى لتبدو وكأنها أصلية، وهذه الأسلاك كانت سببًا فى اندلاع العديد من الحرائق خلال الشهور الماضية والتى راح ضحيتها الكثير من الأبرياء.
وكشفت جولتنا على عدد من محلات الأدوات الكهربائية عن بعض الممارسات غير الأخلاقية التى تدخل ضمن نطاق الغش التجارى والتى تعرض حياة المواطنين للموت حرقًا، وذلك من خلال تزييف وتقليد العلامات التجارية والماركات المعروفة من خلال شراء الأطنان من الأسلاك المضروبة لتصبح حياتنا محفوفة بالمخاطر خاصة وأن تلك الأسلاك لا تحتمل الضغط وقد ينتج عنها حدوث ماس كهربائى واندلاع النيران
الأمر يؤكده بيان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فى آخر احصائية له والذى أشار أشار إلى أن عدد
الحرائق التى نشبت فى مصر خلال عام 2021 بلغ 51533 حريقا، واحتل الماس الكهربائى المركز الثانى لأسباب نشوب الحرائق بنسبة 21٫1% أى بواقع 10863 حادث حريق.
ومن الأسلاك الكهربائية إلى قطع غيار السيارات وأولها الإطارات، والتى يتم التلاعب فيها، وإعادة استخدام الإطارات القديمة لتباع على أنها منتجات جديدة، وهو ما أسفر عن وقوع العديد من الحوادث خلال السنوات الماضية، وتبين من فحص بعض السيارات عقب هذه الحوادث أن معدومى الضمير يقومون بجمع الإطارات القديمة وكشط كامل للإطار للتخلص من «المداسات» القديمة ثم يتم تنظيفه وإعادة صقله وإزالة المطاط المقطوع والأسلاك ورش الإطار بمواد لإزالة الأتربة، وبعدها يتم تركيب طبقة مطاطية جديدة، عمل «المداس» الجديد، ويقوم فنى بعمل النقشة الجديدة.
وبحسب آخر بيان أصدره جهاز التعبئة والإحصاء فإن هناك 51.5 ألف مصاب نتيجة حوادث الطرق عام 2021، ومازال مسلسل الدم يواصل حلقاته.
الأمر لا يتوقف على الإطارات فقط، فمع النقص الشديد فى قطع غيار السيارات فى الأسواق نتيجة لتوقف الاستيراد، يلجأ راغبو الثراء إلى غش تيل الفرامل وإعادة ملئه بمواد محلية وبيعه فى بعض المحال أو لدى بعض الحرفيين، وتكون النتيجة تلفه بسرعة مما ينتج عنه عشرات الحوادث التى تقع يوميا والتى يروح ضحيتها عشرات الأبرياء، ناهيك عن عشرات الضحايا الذين يفقدون حيواتهم كل يوم بسبب الأدوية المغشوشة التى تباع عبر الانترنت أو تلك التى تروجها شركات مجهولة المصدر وتباع فى بعض الصيدليات التى تفتقر للإشراف الطبى والصحى الكامل.
التجارة الإلكترونية «فخ».. والقانون لا يحمى المشترين!
بضغطة زر واحدة يمكنك أن تشاهد مئات المنتجات على صفحات «السوشيال ميديا»، فما إن تفكر فى سلعة ما أو شراء أى منتج وتتحدث مع أصدقائك من خلال الـ «فيسبوك» حتى تجد تلك المنتجات تعرض أمامك، ولكن المشكلة أن جميع هذه الصفحات الإعلانية لا تخضع للرقابة إلا من خلال بلاغ رسمى، ولذلك تعرض عدد كبير من المواطنين لعمليات نصب من أصحاب هذه الصفحات دون أن يستطعيوا استرداد حقوقهم.
تصريحات عديدة أدلى بها محمد معيط، وزير المالية، حول مخاطر التجارة الإلكترونية، وقال إنه تم إعداد مشروع قانون لتنظيمها وتقديمه للبرلمان لمناقشته وإقراره، مؤكدًا أن التجارة الإلكترونية تشكل خطورة كبيرة على المواطنين فى الوقت الحالى مطالبًا بتقنينها.
وطبقًا لما أعلنته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، بلغ حجم سوق التجارة الالكترونية فى العالم العربى 7 مليارات دولار موزعة كالتالي: مصر 1.4 مليار- السعودية 1.5 مليار، الامارات 2.3 مليار، الكويت 0.56 مليار، لبنان 0.28 مليار، والاردن 0.21 مليار.
ونتيجة لهذا الإقبال من المواطنين على التجارة عبر الانترنت أصبح كل شئ يباع من خلاله بدءا من الأطعمة والملابس وحتى السيارات والأجهزة الكهربائية وغيرها، والأخطر من كل هذا أن الأمر وصل إلى الأدوية أيضا، والتى غالبا ما تكون تالفة أو غير مطابقة للمواصفات ويروح ضحيتها الآلاف كل عام، ولذلك أصبح مشروع قانون التجارة الالكترونية ضرورة لحماية المواطنين من هذا النوع من الغش.
ويؤكد محمد الجندى، خبير أمن المعلومات أن مشروع قانون التجارة الإلكترونية، الذى لم يخرج للنور حتى الآن، يهدف إلى حماية المواطنين من كافة ألوان النصب الإلكترونى، وتحصل الدولة من خلاله على ضرائب وقيمة مضافة تصل قيمتها إلى مليارات الجنيهات، فضلاً عن دوره الهام فى تنظيم كل ما هو متعلق بالمعاملات التجارية عبر مواقع الإنترنت و«السوشيال الميديا»، وكذلك تنظيم آلية تحصيل الضرائب على تلك الإعلانات والمعاملات التجارية.
وأكد «الجندى» أن مشروع القانون له العديد من الأهداف حيث إنه سيحمى المواطنين من التعرض لحيل النصب من خلال منع نشر إعلانات المنتجات مجهولة المصدر، وغلق الباب أمام مجهولى الهوية الذين يستغلون عدم وجود ضوابط حاليا لنشر الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعى.
وأشار خبير أمن المعلومات إلى أن مشروع قانون التجارة الإلكترونية يحافظ على صحة المواطنين عن طريق حظر نشر أى إعلانات عن أدوية ومستحضرات تجميل أو أى سلع مجهولة المصدر، تمثل خطرًا كبيرًا على الصحة، حيث سيلزم القانون بالحصول على تراخيص من وزارة الصحة لتداول هذه المنتجات.
وأشار إلى أن وقف ظاهرة بيع السلع المغشوشة عن طريق الإنترنت أو بيعها بشكل عام فى الأسواق، لن يتم إلا بتسجيل العلامات التجارية للمنتجات، وبالتالى لن تتعرض أى سلعة للغش أو التقليد، موضحا أنه لا يوجد قانون يجبر الشركة على تسجيل العلامة التجارية الخاصة بمنتجاتها، رغم أن تسجيل العلامة يمكن الأجهزة الرقابية والمستهلكين من سهولة اكتشاف السلع المقلدة والمغشوشة والتأكد من السلع الأصلية.
السجن والغرامة فى انتظار المتلاعبين بأقوات المصريين
كثيرًا ما تطالعنا وسائل الإعلام بحوادث تعرض أسر كاملة لتسمسم، نتيجة تناول وجبات فاسدة، أو وفاة عدد من الأفراد نتيجة ماس كهربائى أو حادث طريق وغيرها من الكوارث اليومية، ولعل السبب فى ذلك هو الغش التجارى والذى أصبح متفشيًا.
وعلى الرغم من تفاقم المشكلات الناجمة عن الغش التجارى إلا أن العقوبة القانونية لمرتكبى هذه الجريمة ليست كافية لردع غيرهم، وبالتالى فالكوارث مازالت مستمرة.
فى السياق ذاته أكد أيمن محفوظ، الخبير القانونى، أن الغش التجارى أصبح متفشيا وبكثرة خاصة خلال السنوات الماضية ولا نستثنى سلعة من وجود الغش التجارى بداية من الأغذية والأدوية وحتى الأجهزة الكهربائية وغيرها من المنتجات، ومن أمثلة تلك التجارة غير المشروعة بيع سمك الأرنب السام أو لحوم الحمير والكلاب وغيرها والتى تسببت فى موت العديد من المواطنين.
وأضاف أن تداول مثل هذه المنتجات يواجهها القانون وتتدرج عقوبة بائعيها لتصل إلى السجن المؤبد اذا نتج عن تناولها وفاة اكثر من شخص، أما فى حالة بيع سلع غير مطابقة للمواصفات الصحية فإن الجانى يقع تحت طائلة قانون مكافحة الغش التجارى رقم 281 لسنة 1994 الذى ينص على عقوبة الحبس والغرامة لمدة لا تقل عن سنة وتصل إلى المؤبد إذا كانت الأدوية مشغوشة أو مجهولة المصدر.
وأشار الخبير القانونى إلى أنه فى حالة ثبوت أن السلعة مستوردة ودخلت البلاد مهربة فإن التجريم يضاف إليه عقوبة المادة 121 من قانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ والتى تنص على أنه “يعتبر تهريبا ادخال البضائع من أى نوع إلى الجمهورية أو اخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون آداء الضرائب الجمركية”.
وأكد أن أخطر سلع تتعرض للغش الآن هى الأدوية محذرا المواطنين من شراء الأدوية أو مشتقاتها إلا من الصيدليات الموثوق بها حفاظا على الأرواح.
وقال: فى حالة الإعلان عن تلك السلع الضارة عن طريق الإنترنت يكون المعلن مخالفا لقانون مكافحة الجرائم المعلوماتية رقم 175 لسنة 2018، وإذا كان الاعلان عن تلك الأدوية يتم من خلال اشخاص غير مؤهلين لبيع الأدوية فانهم يخضعون للتجريم بموجب قانون الصيدلة والعقوبات تتراوح ما بين الحبس والغرامة.
وأوضح «محفوظ» أن الحيل التى يلجأ اليها مصنعو السلع حاليا تتضمن وضع وزن للعبوة المباعة على خلاف ما يعتقده المستهلك ويكتب على العبوة وزنها الفعلى، الا ان هذا يعد إحدى صور الغش التجارى المعاقب عليه بقانون الغش والتدليس، وتكون العقوبة فى هذه الحالة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، كما نص القانون على أن يعاقب بإحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو شرع فى أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق.
وأكد الخبير القانونى أن إنقاص الوزن عمدا يعد إحدى صور التدليس والغش، موضحا أن الجهات الرقابية لا تقوم باتخاذ اى اجراءات فى مثل هذه الحالات رغم نص القانون.
وأضاف أن قانون حماية المستهلك ينص على حماية المستهلك من هذا التدليس، ورغم الحجج التى تطلقها بعض الشركات مثل وجود بيانات الوزن إلا أن عدم وجود تسعيره للمنتج يجعل المستهلك لعبة فى يد الشركات، ولذلك فالأمر يحتاج إلى تعديل تشريعى بوجود نص صريح يعاقب على تلك الأعمال التى تضر بالمستهلك.
وأشار الخبير القانونى إلى أن جهاز حماية المستهلك حينما يتلقى بلاغا من هذا النوع فإن اجراءات حماية حق المستهلك ومعاقبة الشركات التى تخالف معايير الجودة بعقوبات تصل إلى 10 ملايين جنيه.
واختتم حديثه قائلا: أهم أسباب زيادة المنتجات المغشوشة: عدم وعى المواطن واللهاث وراء أى منتج لمجرد ان له اعلانات أبطالها نجوم مشهورين أو وعود وهمية بتأثيرات خيالية لبعض المنتجات على القدرة الصحية أو الجسدية، ولذلك لابد من التعاون مع الجهات الرقابية بالإبلاغ عن اى من مروجى تلك السلع التى قد تودى بصحة المواطن وحياته أيضا.