الكون المعجز (٨) رحلة في مَحيط الكون المعجز
كتب الدكتور/ عبدالعزيز آدم
عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية
الأرض والكون:
إنه الكون المعجز والذي كلما زدنا فيه علما وإبحارًا كلما تبين لنا مدى جهلنا وعجزنا أمام هذا الخلق العجيب اللامحدود، الذي يتجاوز كل حدود وقدرات استيعاب عقل الإنسان المحدود.
كان الإنسان قديمًا بسيط في ادراكه وبقدر بساطته كان يرى الكون على أنه أرض ثابته تدور حولها الشمس والنجوم البعيدة. وتمر السنون لندرك أن لا شيء ثابت في الكون، الكل يسبح في فلك لا حدود له وأن الأرض وكواكب المجموعة الشمسية وكويكباتها ومذنباتها وأجرامها جميعًا تدور حول الشمس. ونبحر أكثر لندرك أن الكون لا يتوقف عند المجموعة الشمسية وحسب وأن الشمس بدورها تدور حول مركز مجرة نحن جزء ضئيل جدا منها – مجرة درب التبانة- وأن شمسنا التي هي سبب الدفء والحياة على كوكب الارض والتي تتسع لاكثر من ١،٣٠٠،٠٠٠ أرض، إنما هي مجرد نجم قزم ضمن نجوم مجرة درب التبانة والتي تحتوي علي أكثر من ٢٠٠ مليار نجم أغلبها يفوق الشمس بآلاف بل وملايين المرات. ظن الانسان أن الكون هو مجرة درب التبانة وحسب، ولكنه أبى إلا أن يبحر بشكل أعمق في هذا الكون المعجز ليكتشف عام ٩٦٤م أن هناك مجرة أخرى (أندروميدا) مجاورة لمجرة درب التبانة، وما لبث أن كرس الإنسان ترسانته العلمية (المسابير والمحطاتالفضائية) ليبحر أكثر وبشكل أعمق من ذي قبل ليكتشف أن الكون هو أكبر حتى من حدود تخيله، وليفاجئ أن مجردة درب التبانة التي نحن لا نمثل فيها نقطة من ماء المحيط، هي بدورها أقل من نقطة في محيط الكون وأن الكون المرئي به ترليونات المجرات التي تتعدي في حجمها مجرة درب التبانة، وحين أقول الكون المريء فهذا لا يمثل إلا نسبة ضئيلة مجهولة من حجم الكون الحقيقي. كم هي ضئيلة تلك الأرض في هذا الكون المعجز وكم نحن ضئيلون حجما وعلما أمام هذا الزخم وهذا الإعجاز، وكلما زدنا تقدمًا وابحارا في هذا الكون العجيب، كلما أدركنا مدى جهلنا وضآلتنا.
الكون لا يسكن أبدا:
الكون بكل مجراته ونجومه وكواكبه وأجرامه السماوية في حالة حركة وتوسع ودوران مستمرين، لا شيء ثابت في الكون، كل في فلك يسبحون.
وبمقاييس التوقيت الأرضي؛ فإن الأرض تدور حول نفسها مرة كاملة في اليوم وتدور الأرض حول الشمس مرة كاملة في العام، ومدة دوران الأرض حول الشمس تختلف عن مدة دوران الكواكب الأخرى حول الشمس، حسب المسافة بينها وبين الشمس، فنجد مثلا السنة على كوكب عطارد (مدة دورانه دورة كاملة حول الشمس) لا تذيد عّم ٨٨ يوما، بينما تتعدي السنة على كوكب نيبتون ٥٩ ألف و ٨٠٠ يومًا يكمل فيها دورة واحدة حول الشمس.
الشمس بدورها ” تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا” حيث تدور الشمس حول مركزها مدة تستغرق حوالي ٢٥ يوما وتستغرق ٢٣٠ مليون عاما أرضي لتقوم بدورة واحدة حول مركز مجرة درب التبانة (شاملة كوكبها)
ومجرة درب التبانة بدورها في حالة حركة وتوسع مستمر كباقي المجرات.
المسافات في الكون
محيط كوكب الأرض لا يتعدي ٣٠ ألف كيلومتر وتستخدم سرعة الضوء في قياس المسافة بين الأجرام الكونية.
الثانية الضوئية تعني المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية واحدة وهي ٣٠٠،٠٠٠ كليو متر/ث. وسرعة الضوء المهولة هذه، هي أكبر سرعة عرفتها البشرية حتى يومنا هذا ولم يستطيع الإنسان أن يصنع مركبات تضاهي سرعتها ولو جزء ضئيل من سرعة الضوء. ولكن العجب أن سرعة الضوء المهولة هذه غير كافية مطلقا وضئيلة جدا للابحار في هذا الكون المعجز. إن أسرع جسم صنعه الانسان حتى اليوم هو مركبة الفضاء أبولو ١٠ والتي وصلت سرعتها اثناء الهبوط إلى أقل من ٤٠ ألف كيلومتر/ساعة أي أقل من ١١ كيلومتر/ثانية وهي سرعة أقل من 0.004% من سرعة الضوء (إنها ضئيلة جدا مقارنة بسرعة الضوء) وسرعة الضوء المهولة ذاتها هي أقل من سرعة سلحفاء في مَحيط الكون.
إذا فرضنا جدلًا أن الانسان استطاع أن يخترع مركبة فضائية بسرعة الضوء – فإن الزمن بالنسبة لمن يستقلونها سيصبح صفرًا طبقًا لنظرية النسبية لأينشتاين والتي لسنا بصدد التعرض لها في هذه المقالة- إذا استقل الإنسان هذه المركبة متحركًا بسرعة الضوء، فإن رحلته من الأرض إلى القمر ستستغرق ثانية واحدة، وسيستغرق ٨ دقائق كاملة للوصول إلي الشمس، لأن ضوء الشمس يستغرق ٨ دقائق للوصول من الشمس إلى الارض وهو ما يعني أن الشمس إذا اختفت يوما ما فلن نرى بذلك إلا بعد ثمان دقائق. وهذا ما يعني أن النجوم التي نراها متلألأة في السماء المظلمة قد تكون مجرد أثر لنجوم اندثرت من ملايين السنين وأننا فقط نري أثرها بعد أن استغرق ضوئها هذه السنوات للوصول لناظرينا. حسنا لنكمل رحلتنا، ستستغرق المركبة التي تتحرك بسرعة الضوء حوالي ١٤ دقيقة كاملة للوصول إلى كوكب المريخ الذى يراه الإنسان على أنه قد يكون وطنًا بديلا لنا يومًا ما رغم افتقاره لأدنى مقومات الحياة على سطحة سوى اعتدال درجة الحرارة على بعض من مساحته.
أقرب النجوم للمجموعة الشمسية (قنطور الأقرب):
إذا قررت أن تستخدم المركبة التي تسير بسرعة الضوء للخروج من حيّز الشمس وكواكبها (المجموعة الشمسية) لاستكشاف المزيد من نجوم وأجرام الكون، هنا ستشعر بالعجز وستدرك أن هذه المركبة التي وصلت بك بالأمس من الأرض إلى القمر في طرفة عين (ثانية واحدة)، إنما هي عاجزة وبطيئة جدا جدا، لأنك ستحتاج للتحرك بها أكثر من أربع سنوات كاملة بسرعة الضوء دون توقف للوصول فقط لأقرب نجم خارج المجموعة الشمسية (قنطور الأقرب) والذي قد تدور حوله مجموعة من الكواكب في درجة حرارة آمنة للحياة وبذلك قد تكون مأهولة بالحياة في حضارة بدائية أو متقدمة عنا، أو ربما بها كائنات مهولة كالديانصورات تختلف عنا في كيانها وصفاتها، ربما- ونجم قنطور الأقرب هو بمثابة شمس أخري أقل حجما من شمسنا وهي أقرب شمس لنا خارج المجموعة الشمسية كما ذكرت.
واذا قررت الغوص أكثر في الكون بمركبتك الافتراضية المحدودة فلن تستطيع بأي حال من الأحوال أن تصل إلا لعدد ضئيل جدا من النجوم التي تتعدي ال ٢٠٠ مليار نجم في دب التبانة وحدها ولن تستطيع بالطبع مغادرة مجرةدرب التبانة لاستكشاف ولو مجرة واحدة من مليارات المليارات من المجرات الاخري، ذلك لأنك ستحتاج قيادة هذه المركبة مدة ١٠٠ ألف عام بسرعة الضوء دون توقف، فقط لتخرج من مجرة دوب التبانة وهي بدورها مجرد مجرة صغيرة مقارنة بترليونات المجرات الأخرى.
أرأيت حجمك أيها الانسان في هذا الكون المعجز.
“يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ” صدق الله العظيم