انقلب السحر على الساحر .. «من ملفات أكتوبر»
بقلم :عاطف محمد
معركة تاريخية
لم تكن معركة أكتوبر مجرد معركة تم التخطيط لها بدقة أذهلت كل المحللين العسكريين فحسب ، ولم تكن مادة دراسة فى أكبر الأكاديميات العسكرية فقط ، بل إنها أضافت جديدا فى مجال الحروب العسكرية فى كافة النواحي، فقد كسرت قواعد عدة، وغيرت أفكارا مؤكدة وصنعت ممكنا ظن الجميع أنه مستحيلا .
فهى حرب صنعت واقعا جديدا من حيث الأفكار العبقرية والتنفيذ الدقيق المحكم .
البداية
بدأت الحرب الفعلية قبل أكتوبر 73 بعدة سنوات ، كانت سنوات الاعداد والدراسة والتدريب والاستعداد الجاد من تسليح وتدريب وتغيير عقليات ومفاهيم ، حتى أن شرائح المجتمع المصرى آمنت أن الانتصار يبدأ من الداخل ، من التغيير فى كل شئ مثل تخطى حاجز الأنا والاعتراف بالأخطاء ودراسة جوانب القصور والتعامل بما هو متاح لتحقيق ماهو ليس متاحا .
وفى يوم الخامس من أكتوبر تحديدا تم سد فتحات النابالم تلك المادة التى قيل أنها تشوى سمك القناة فما بالك بالبشر.
ولكن ما قيمة هذا العمل فى الحرب؟؟؟؟
البداية صاعقةالبحرية المصرية
والقصة تبدأ من الوحدات الخاصة بالقوات البحرية المصرية الدرع الواقى لكل متنفساتنا البحرية، وتحديدا «الكتيبة 23 بالصاعقة البحرية»
فى ليل هذا اليوم غطس رجال البحرية الابطال فى قناة السويس لسد فتحات النابالم وتعطيلها عن العمل ، حتى يتثنى للقوات المصرية العبور فى اليوم التالى بأمان تام.
تلك الفتحات التى تم اكتشاف سرها من خلال العمليات النوعية التى قامت بها القوات المصرية أثناء حرب الاستنزاف ، فقد حدث حريقا هائلا على سطح القناة وبعد البحث والتقصى والعمل المضنى تم فك اللغز تم اكتشاف 31 نقطة محورية تنتشر على طول قناة السويس بها صهاريج تضخ النابالم بكمية قدرت ب900 لتر وقد كان سرا لا يعلمه أحد ، فقد كانت تلك المادة الحارقة والتى استخدمتها ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى 1914وحرمت دوليا بعد ذلك ، من ضمن مستخدمات الكيان الإسرائيلى ، ولكن الخسة الإسرائيلية دعتهم لاستخدام المادة المحرمة دوليا فى حرب 1967 وطورت الفكرة لمنع عبور المصريين للقناة ، وكانت مواسير النابالم مصممة بشكل محكم ، فهى على طول القناة ويخرج منها المواسير التى تخترق خط بارليف و تصل إلى القناة بمسافة 40 سم، وعند كل صهريج يتواجد جندى اسرائيلى له دور محدد وهو فتح الصهريج عند صدور الأوامر له ، وعند خروج النابلم وبمجرد إطلاق أى رصاصة على سطح المياة تتولد نيرانا درجة حرارتها 700 درجة مئوية ويتحول المكان إلى جهنم الحمراء ، مما يؤدى إلى استحالة العبور بأى شكل من الأشكال بل وتجهض أى فكرة للعبور فى مهدها دون أن ترى النور فالمصير محتوم .
سحر العقلية المصرية
وهنا كان لزاما أن نحتاج للسحر ولكن زمن السحر قد ولّى، ومع ذلك كان السّحر المصرى حاضرا، سحرا أذهل صناع اللعبة الخبيثة ففى ليل الخامس من أكتوبر كانت المهمة المحددة والمحدد بها أماكن تلك الفتحات الصهريجية، من خلال رصد دقيق ومعلومات مؤكدة من خلال «المخابرات المصرية» التى وفرت للقيادة خريطة دقيقة لمراكز واماكن فتحات الصهاريج تحت القناة( ويعد هذا إنجازا رائعا يحسب لعبقرية المخابرات المصرية) ، التى ساهمت بكم من المعلومات والتى أدت لهذا الانتصار ، الذى يعد الأعظم فى التاريخ العسكرى الحديث.
الرائد العبقرى
لقد تم اختراع مادة تتجمد فى الماء لتصنع عازلا يحول دون خروج النابالم من فتحاته ، كانت فكرة عبقرية بكل المقاييس ، اخترعها رائد متميز بالقوات البحرية المصرية يسمى
« أحمد حسن مأمون»
فعندما ابتكر تلك المادة سلم سرها إلى قائد القوات البحرية وبدوره نقل السر للقيادة وهنا أقر الرئيس البطل محمد أنور السادات العمل بها فى الوقت المناسب والذى حدد يوم الخامس من أكتوبر حتى تكون مفاجأة من العيار الثقيل للكيان الصهيونى فى وقت الحرب عند اللجوء لهذا الحل المنافى لاعراف الحرب الشريفة .
التنفيذ
وبالفعل تم إعداد مجموعة من خيرة أبطال الضفادع البشرية وقام بتلك المهمة مجموعة« الكتيبة 23» من الصاعقة البحرية والتى قامت بعمل محدد وهو سد الفتحات وتعطيلها وقطع الخراطيم مواسير الطلمبات الضاخة للنابالم ، مما أحدث شللا تاما فى تلك الخطة اللئيمة والتى افرزتها العقلية الإسرائيلية المريضة وعادت القوة المنفذة للعملية بسلام دون اى خسائر ،تذكر لتشارك فى مهام المعركة فى اليوم التالى ، حدث هذا فى غفلة من الجانب الإسرائيلى ،
قال تعالى:
وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشينهم فهم لا يبصرون
عبقرية التوقيت
كما يعد وقت التنفيذ وقتا عبقريا، حيث تم قبل سويعات من اندلاع المعركة ولم يتم اكتشاف ما فعله رجال القوات الخاصة البحرية ، كما أن هذا التوقيت ضيع الفرصة على الكيان الإسرائيلى المزعوم لإيجاد أى حل لهذا العمل العبقرى ، وبالفعل وعند بدأ المعركة وعند الحاجة للنابالم
فى وقت الحرب لوقف المد المصرى فى قوارب العبور أو من خلال الكبارى والمعديات التى صنعت فى وقت قياسي على طول القناة ، جاءت خيبة الأمل للجانب الإسرائيلى صادمة وصفعة قوية من النوع الحارق الذى ألهبت مؤخرة رؤوسهم وجعلت عيونهم تجحظ غيظا من المصريين ، فلم تعمل مضخات النابالم ولم يحدث أى حريق فى قناة السويس ولم يتم إيقاف المدد المصرى ولم يتوقف الزحف المقدس ، انقلب السحر على الساحر الذى أيقن أن المصريين هم صناع السحر وأن العقلية المصرية هى السحر بعينه ، عقلية لاتجاريها أى عقلية فهى نتاج حضارة سبعة آلاف سنة ولم تأتى من فراغ..
ومن أبطال العملية التى كانت بالفعل المفتاح الذهبى لنصر أكتوبر
•مقدم بحري رفيع راشد
•رائد بحري ربيع محمد سعيد
ملازم بحري اسعد أمين
•مساعد بحري فؤاد رمزي ( والذى يعد أحد ابطال الهجوم على إيلات )
•البطل علي ابو الحسن (الحاصل علي وسام نجمة سيناء وشجاعته المذهلة )
قال تعالى
ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما.
.