بنك مصر
بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
البنك الاهلى المصرى
تقارير وتحقيقات
أخر الأخبار

«جرائم الشرف».. شرخ في جدار الأسر المصرية

ما زالت جرائم القتل بدعوى الشرف مستمرة خصوصًا في مصر والدول العربية؛ حيث يعتقد البعض أن المرأة جالبة للعار، وكأنه قُدر لها القتل منذ قديم الأزل، بدايةً من نزعة الجاهلية المتمثلة في وأد البنات أحياء تحت عُرف الحفاظ على الشرف، وحتى دفع حياتها ثمنًا للحفاظ على «شرف العائلة»، وإلقاء اللوم على الضحية بدلًا من الجاني الذى هو أحق الناس بالعقاب.

والمثير للحيرة أن معظم هذه الجرائم تقع لمجرد الشك في سلوك المرأة أو حتى في حالة تعرضها للاغتصاب الذي يقع رغمًا عنها، ويلجأ مرتكبو هذه الجرائم إلى تبرير فِعلتهم الشنعاء بما يوصف بـ«غسل العار» حتى أن منهم من يستعرض قتل ضحيته، وتنتابه حالة من الفخر بتطهيره «شرف العائلة»، بينما يقف القانون عاجزًا عن ردع هذه «العادة الجاهلية» التي عبرت القرون إلى «الألفية الثالثة»!!

 

هذا الملف يرصد هذه الظاهرة المؤسفة ودوافع مرتكبيها واقتراحات الحد منها.

 

3 قصص لضحايا «غسل العار»

 

بأى ذنبٍ قُتلن؟!.. هل بمحض أوهام تسللت إلى قلوب قاسية؟ أم بأمر غير قابل للنقاش؟ فكم من أرواح بريئة راحت ضحية فكر مجتمع تفنّن في تجميل إباحة قتل الأنثى، مجتمع مكبّل بعادات وتقاليد غير منصفة للمرأة، حتى تنوعت هذه الجرائم ما بين انتقام الزوج من زوجته، أو الأب من ابنته أوالأخ من أخته، ظنًا منه أنه ينتقم لشرفه.

في محافظة الجيزة فقد أب إنسانيته وقام بقتل ابنته «هبة» بمساعدة شقيقيها وأبناء العم.. حيث ألقوها فى ترعة المنصورية «حيّة»، غير عابئين بصرخاتها.

 

طفت جثة الابنة على سطح الماء وتردد بين الأهالى أنه كان ثملًا يومها ولم يكن فى كامل وعيه، وهناك من قال إن خلافًا دبَّ بينه وبين زوجته قبلها بساعات فتخلص من ابنته انتقامًا من زوجته، ولكن تحقيقات الشرطة أثبتت أنه قتلها بمعاونة شقيقيها وأبناء عمها لشكه فى سلوكها.

دماء على أعتاب «بيت العيلة»

وفي المحافظة نفسها لقيت سيدة أربعينية مصرعها على يد زوجها الخمسينى بعد زواج دام 20 عامًا، إذ قتل الزوج زوجته التي مارست دور الأب والأم معًا بعد تقاعسه عن العمل ولكنها لم تدرِ أن زوجها هو من سيسطّر بيده نهايتها بسبب شكوكه ليتحول «عش الزوجية» إلى خراب، فقد عملت «أم علاء» لسنوات طويلة كحارسة عقار تارة، وبائعة خضروات تارة أخرى، لديها 4 أبناء، أكبرهم في الثانوية العامة والصغرى مريضة تحتاج لمتابعة دورية مع الطبيب، كانت أحيانًا تضطر لمواصلة الليل بالنهار لتوفر لأسرتها ثمن الطعام والعلاج، إلى أن شكّ الزوج في أمرها وتمكن الشك منه، وفي آخر خلاف نشب بينهما تعدى عليها بالضرب المبرح على مرأى ومسمع من الجيران، وطردها من البيت، وبعد محاولات للصلح عادت إليه على وعد بألا يشك فيها، ولكنه خلف وعده وغدر بها وهشم رأسها بآلة حادة وتخلص من جثتها بأحد المصارف.

وفي واقعة أخرى أقدم شاب على قتل شقيقته العشرينية «هدى» التي عاشت بمفردها بعد وفاة والدتها في شقة بمنطقة دار السلام، بعد رفضها محاولاته للعيش معه هو وزوجته، متخذة قرارها بالإنفاق على نفسها، فعملت فى متجر لبيع الملابس، لكسب المال ليساعدها في دفع الإيجار والإنفاق على احتياجاتها من مأكل وملبس، ولكن مواعيد العمل كانت تنتهي في وقت متأخر، وقام واشٍ من أهل المنطقة بإخبار الأخ أنه رأى شقيقته برفقة شاب يسكن قريبًا من المنطقة، ثارت ثورة الأخ الأكبر وهاج وماج وذهب إلى أخته محذرًا إياها من العودة ليلًا، لكنها ضربت بتحذيراته عُرض الحائط، وأخبرته بأنها تتكفل بمصروفاتها بنفسها وتحب عملها ولن تتركه على أية حال.

 

وتكرر مسلسل حياتها اليومي على ذلك النمط، وغاب شقيقها عنها يومين وعاد ليكرر طلبه مرة أخرى وتكرر الشجار وزادت حدته لعدم موافقتها، وطلبت منه عدم التدخل فى حياتها الخاصة، لكنه انقضّ عليها بمطواه وأصابها بجرح قطعي في رقبتها أودى بحياتها في الحال.

 

هبة وهدى وأم علاء وغيرهن الكثيرات قُتلن على يد أحد أفراد العائلة تحت مسمى «الدفاع عن الشرف» ولن يكن آخر الضحايا طالما ظل هذا الفكر هو السائد.

«الشك» أبرز دوافع ارتكاب الجرائم

 

أشار تقرير أعدته الأمم المتحدة، العام الماضي، إلى أن هناك حوالي 5 آلاف ضحية سنوية لـ«جرائم الشرف»، وتقع هذه الجرائم في المجتمعات التي تعيش وفق العادات والتقاليد المحافظة.

 

وفي مصر، أشارت إحصائية صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فى عام 2018، إلى أن 92% من الجرائم الأسرية تندرج تحت مسمى «جرائم الشرف»، التي يرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على «الشرف وغسل العار»، وأكدت الدراسة التي أجراها المركز أن 70% من جرائم الشرف ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم، أما نسبة الـ3% الباقية فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، وأشارت الدراسة إلى أن عدد ضحايا جرائم الشرف يتراوح بين 900 وألفي جريمة سنويًا.

«مرصد قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي الصادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة»، سجل العام الماضي 22 واقعة قتل لنساء وفتيات؛ بسبب الشك في سلوكهن، وواقعتين لمحاولة قتل على يد فرد من أفراد الأسرة.

 

أما معهد «دفتر أحوال البحثي» فقد رصد فى الفترة من أول يناير 2015 حتى آخر ديسمبر 2019 حوالي 371 حالة قتل أو إصابة بدعوى الشرف.

وأوضح الدكتور عبدالعزيز آدم، عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية وأخصائي علم النفس السلوكي، أن سجلات المحاكم متخمة بالعديد من جرائم القتل التي يندى لها الجبين تحت مسمى الدفاع عن الشرف، وهى ناتجة عن بعض الشكوك في سلوك الزوجة أو الابنة أو الأخت بل وأحيانًا الأم.

 

وأشار إلى أن الأمر له أبعاد نفسية ومجتمعية تتعلق باضطهاد المرأة وتهميش دورها ومكانتها وكأنها مجرد عائل ليس له الحق في الحياة من الأساس، مشيرًا إلى أن هذه الجرائم ناتجة عن سلوكيات مفجعة ينتهجها المجتمع ضد المرأة أسهم في انتشارها الجهل وفقدان الإدراك مما جعل من مجرد وجود المرأة في نظرهم مصدرًا للخزى والعار، بداية من التفرقة بينها وبين إخوتها من الذكور وحرمانها من التعليم في العديد من المجتمعات بل وحرمانها من الميراث أيضًا.

 

وأكد أن الدافع النفسى للجاني في مثل هذه الجرائم هو فكرة التخلص من وجود المرأة، فلا يلبث أن يبحث عن أسباب واهية وشكوك ليس لها مبرر أو وجود ويبنى عليها خطته للتخلص منها، بما يتنافى مع الشرع والدين والإنسانية من الأساس.

 

وأضاف الدكتور عبدالعزيز آدم، أن من يرتكبون هذه الجرائم يصلون لمرحلة الاكتئاب العُظمى والوسواس القهرى الذى يعمى أبصارهم ويغيبهم عن الواقع.

 

وتطرق «آدم» في حديثه إلى طرق معالجة هذه السلوكيات المفجعة بحق المرأة، قائلًا إنه لا بد من وجود برامج توعوية تبدأ بالقرى والنجوع والمحافظات التي تنتشر فيها تلك الجرائم، ويجب أيضًا على وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمقروء أن يكثف التوعية بقيمة وحق المرأة وفداحة التعرض لها بأي صورة من الصور، مع وضع قوانين رادعة لا تحمي هؤلاء الذين يتعرضون للمرأة بأي نوع من أنواع الأذى؛ لأن القتل هو نتيجة لغض الطرف عن الإهانة بالضرب أو حتى بالقول.

 

وأكد «آدم» أنه يجب أن نعي تمامًا أنه لا يوجد أي مجتمع من المجتمعات المتحضرة التي وصلت لأعلى درجات الرقي والنجاح إلا ويضع قضايا المرأة وكرامتها في أعلى مكانة ولا يسمح بالتعرض لها بالقول أو الفعل بأية حالة من الأحوال أو تحت أي ظرف من الظروف، وهذه هي الرسالة التي يجب أن يعيها دعاة اضطهاد المرأة وسلبها حقوقها الشرعية والمجتمعية ودعاة التخلف والفرقة في مجتمعنا.

من جانبه، يرى الدكتور بيشوى سمير، أخصائي الطب النفسي بمستشفى المعمورة، أن الاحتمال الذي يتطلب تدخل الطب النفسي هو أن يكون المريض لديه ما يعرف بضلالات الشك أو الخيانة، وهو أن يعتقد المريض بصورة مرضية وغير منطقية أن الطرف الآخر يخونه من دون وجود أي دليل على ذلك.

 

وتطرق «بيشوي» إلى الحديث عن الجزء الاجتماعى، قائلًا إن المجتمع للأسف وخصوصًا في المناطق الشعبية يتداول قصص الخيانة الزوجية بشكل شائع، مما يشجع البعض على الشك فى الآخر لمحاولة اكتشاف أية علامة من علامات الخيانة الزوجية. فالأشخاص الذين يُعانون من مشاكل متعلقة بالثقة بالنفس يكونون بمثابة بيئة خصبة للتفاعل مع هذا الكلام ويبدأون في تعميمه وتطبيقه على أُسرهم.

 

وأشار إخصائي الطب النفسى إلى وجود جزء مجتمعي آخر يتعلق برد الفعل على الخيانة، فالمجتمع يشجع على ضرب بل وأحيانًا قتل من يشك زوجها أو والدها أو أخوها في سلوكها ويصفه بأنه «راجل من ضهر راجل»، ولا أحد يستمع لمن قال إن القتل مرفوض في كل الأحوال، بل يشن المجتمع هجومًا على من يرفض القتل ويصفه بأنه ديوث، فى حين أن نفس المجتمع يرى خيانة الرجل نزوة مبررة لا تمثل مشكلة للمرأة.

 

رجال دين: لا يجوز القتل في حالات الزنا

ورغم ما يحدث في مجتمعنا من جرائم باسم الشرف، إلا أن الدين الإسلامى بريء من هذا الفعل، وهو ما أكده الدكتور عمرو يوسف الجندي، من علماء الأزهر، موضحًا أنه لا يجوز القتل في جرائم الشرف ولو كان للزنا، فهذا الأمر للقاضي والحاكم فقط، وليس لآحاد الناس، ولو ترك الأمر هكذا لعمت الفوضى وتقاتل الناس فيما بينهم، وكان الزوج إذا كره معيشة زوجته أراد قتلها واتهمها بالزنا، ولذا من ابتلي بشيء من ذلك، فالإسلام جعل الحل بالفراق أو اللعان كما قال الصحابى عويمر العجلاني: يا رَسولَ اللَّهِ أرَأَيْتَ رَجُلًا وجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أم كيفَ يَفْعَلُ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قدْ أنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وفى صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بهَا، قالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وأنا مع النَّاسِ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

 

وأشار «الجندي» إلى أن مجرد الشك لا ينبني عليه حكم، وهذا غير جائز، فلا يخول للزوج أو الأب أو الأخ قتل المرأة، ولنا مثلا في النبي صلى الله عليه وسلم حينما اتهمت زوجته بالفاحشة وأكثر الناس فيها القول، دخل عليها وقال لها: «يا عائشة أن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله فإن الله يغفر الذنوب»، وإن لا قدر الله وقعت الزوجة في الزنا فليس الحل القتل بل الفراق، وأما العقوبة فلا يجوز أن تنفذ إلا بيد ولي الأمر وهو القاضي أو الدولة.

من جانبه، يقول الشيخ مصطفى الحاروني، من علماء الأزهر الشريف، إن الإنسان هو المخلوق الأول والمكرم في هذا الكون؛ كرمه الله تكريمًا عظيمًا فقال تعالى «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا»، ومن صور هذا التكريم أن الله خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأنزل له الكتب، وأرسل له الرسل، ووضع له شريعة محكمة تضمن له حقه، ومن أعظم هذه الحقوق حق الحياة؛ ولا يحل لأحد كائنًا من كان أن ينتهك حرمته أو أن يستبيح حماه؛ لأن الله وحده هو واهب الحياة وليس من حق أحد أن يسلب حياة أحد إلا في حدود شريعته التي وضعها؛ ومع ذلك عندما تطالع وسائل الاعلام ينخلع قلبك أمام صور القتل والدماء التي انتشرت بصورة بشعة بدعوى الحب؛ وبدعوى الخيانة؛ وبدعوى الانتقام ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصدق المصطفى حين قال: «إن بين يدى الساعة الهرج؛ قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل؛ إنه ليس بقتلكم المشركين؛ ولكن قتل بعضكم بعضًا».

 

وأضاف «الحاروني» أن ما نراه ونلحظه في هذه الأيام من انتشار ظاهرة القتل العمد أمرٌ غريب على مجتمعنا المصري الآمن؛ وأخطرها الجرائم التي تقع داخل إطار الأسرة الواحدة التي ينبغي أن تكون ملجأً آمنًا لكل أفرادها لا أن يلقى الإنسان مصرعه على يد أقرب الناس إليه، والمتتبع لوقوع هذه الجرائم في مجتمعنا يجد أن البريئات من ضحايا هذه الجرائم قد أزهقت أرواحهن لأسباب واهية؛ وبغير وجه حق بدعوى الشك والريبة والشائعات الكاذبة، لذا يجب على كل المسئولين وجميع الجهات الحكومية

وغير الحكومية أن تقف صفًا واحدًا تجاه هذه الظاهرة الخطيرة والحد من انتشارها، وردع من يقوم بها، وإنزال حكم الله به حتى يكون عبرة لغيره.

وأضاف أن الشريعة الإسلامية بها من العقوبات ما يردع الجاني وغيره عن اقتراف جريمة القتل أو غيرها من الجرائم أو حتى التفكير فيها، وكما قال تعالى: «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون».. فالقصاص ينبغي أن يكون العقاب لمن يقترف هذه الجريمة النكراء حتى يعود لمجتمعنا النقى الطاهر أمنه وأمانه.

 

وأشار «الحارونى» إلى أن الإسلام حرّم نشر الشائعات، فالشائعات خطرها عظيم وشرها كبير، كم دمرت من مجتمعات وهدمت من أسر؛ وفرقت بين أحبة، وإذا أردت أن تعرف عظيم شرها فانظر في حادثة الإفك؛ وكيف أن النبى مكث شهرًا كاملًا وهو مهموم ومحزون، لا وحي ينزل يبين له حقيقة الأمر وهو في الوقت ذاته لا يعرف عن أهل بيته إلا الطهر والعفاف، لذلك اتخذ الإسلام موقفًا حازمًا منها ومن مروجيها لما لها من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، ولذلك أمرنا الإسلام بحفظ اللسان، وأخبرنا أن الإنسان مسئول ومحاسب على كل صغيرة وكبيرة، قال تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وقال المصطفى: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم».. وأمرنا بالتثبت والتبين قبل نقل الأخبار؛ قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».

 

وأشار العالم الأزهري إلى قول الرسول: «من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج؛ قالوا يا رسول الله وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار»، وفى رواية: «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع»، وفي رواية: «بئس مطية الرجل زعموا».. كما حذر الإسلام من القذف والخوض فى الأعراض قال تعالى: أن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم»، كما أمرنا الإسلام بإحسان الظن بالآخرين، قال تعالى: لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفك مبين»، وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن أن بعض الظن إثم».

 

وأضاف أنه في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال المصطفى: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا».. وكما أننا نطالب الناس بأن يحسنوا الظن بنا؛ فعلينا ألا نضع أنفسنا موضع التهم، ففي الصحيحين: كان النبي يمشي ذات ليلة مع زوجته صفية فمر صحابيان فسلما عليه؛ فقال: على رسلكما هذه زوجتي صفية؛ فقالا: سبحان الله يا رسول الله – يعنى وهل نشك فيك؟ فقال: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئًا»، وقوله عليه الصلاة والسلام: هذه زوجتى صفية ينطبق عليها ألف موضوع وموضوع، لا تدخل بيتًا ليس فيه رجل، ولا تسمح لرجل أن يدخل بيتك فى غيابك، لا تجلس مع امرأة لا تحل لك في مكان مظلم ثم تلوم الناس إذا اتهموك، فالإنسان العاقل يتقي الشبهات، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

 

«القومي للمرأة»: العادات والتقاليد تتحدى القانون!

 

في الوقت الذي انتشرت فيه جمعيات ومنظمات الدفاع عن حقوق المرأة في كل مكان، ويعلو صوت القائمات عليها حتى أصبحن «تريند» على وسائل السوشيال ميديا، ما زالت المرأة المصرية تقتل لمجرد الشك في سلوكها، ولا تستطيع هذه الجمعيات أو حتى المجلس القومي للمرأة أن تحول من دون وقوع مثل هذه الجرائم، فالمشكلة تكمن في الأفكار الراسخة في مجتمعنا والتي فشلت كل الجهود في مواجهتها، لذلك فالأمر يحتاج إلى تكاتف الجميع حتى تنجح المواجهة.

وأشارت الدكتورة جيهان جادو إلى أن هذا الملف أصبح من الملفات المهمة بالنسبة للأمم المتحدة، نظرًا لارتفاع معدلات الجرائم التي ترتكب باسم الشرف، وهي في الأصل جرائم عنف.

 

وأكدت أنه لا بد من خلق وعي مجتمعي حتى نتدارك تلك الأخطار، ولا بد من صحوة من المختصين بحقوق المرأة وبالتشريع القانوني لتعديل القوانين التي لا تتناسب مع هذه الجرائم االتي ترتكب ضد النساء سواء بدافع الشرف أو أي عنف أخرى.

 

«الحبس» عقوبة الأزواج.. «والمؤبد والإعدام» للأقارب

كما حرم الإسلام القتل جرمه القانون أيضًا، وجعله واحدة من أخطر الجرائم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وهو ما أكده عصام الدين أبوالعلا، المحامي بالنقض، مشيرًا إلى أن جريمة القتل تعد من أخطر الجرائم التي تواجه البشرية، لأنه يترتب عليها إزهاق روح إنسان لذلك فقد شددت جميع التشريعات الوضعية والسماوية على العقوبة التي يجب إنزالها على مرتكب تلك الجريمة.

 

وأضاف أن جرائم القتل من أجل الشرف في مصر من الجرائم التي رأى المشرع أن يجعل العقوبة فيها مخففة، إلا أن الملاحظ أن المشرع لم يعمم هذا التخفيف على كل الجرائم التي تتعلق بالشرف، فهذه العقوبة المخففة لا يستفيد منها إلا الزوج، ورغم ذلك نجد أن القتل من أجل الشرف وعلى غير رغبة من المشرع أصبح جريمة عائلية، فأفراد العائلة سواء كان أبًا أو أمًا أو أخًا وأحياناً الأخت أيضًا، يمنحون أنفسهم الحق في الانتقام من أجل الشرف إذا ما أقدمت إحدى بنات أو نساء العائلة على إقامة علاقات خارج الإطار الشرعي، ويرتكبون تلك الجريمة اعتقادًا منهم أن هذا هو الحل الوحيد لإزالة آثار العار الذي لحق بالعائلة.

 

وأوضح أن المجتمع يمد هذا السلوك بالوقود الذي جعل الجيران والأهل والأقارب يعايرون أهل البنت أو السيدة التي ارتكبت فعل الزنا.

وأضاف «أبوالعلا»: رغم أن القتل دفاعًا عن الشرف هو قتل عمد بل وقد تتوافر معه ظروف مشددة أخرى مثل سبق الإصرار أو الترصد أو كلاهما معًا إلا أن هناك جرائم تكون عقوبتها مخففة، ذلك أن المادة 237 من قانون العقوبات تنص على: «من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال ومن يزنى بها، يعاقب بالحبس»، ويتضح من نص هذه المادة أنها تتعلق بالزوج ولا يستفيد من تطبيقها الأب أو الأخ أو الابن، فالزوج الذي يضبط زوجته مع عشيقها يستفيد من التخفيف في العقوبة، ولا تزيد مدة الحبس على ثلاث سنوات.. أما بالنسبة لغير الزوج من الأقارب فإنها ورغم توافر وقائع مشابهة لما قد يحدث مع الزوج، كأن يرى الأخ شقيقته في وضع الزنا مع شخص غريب، أو أن يرى الأب أو أي قريب آخر تلك الوقائع، فإن جريمته هنا هي القتل العمد الذي تنص عليه المادة 234 من قانون العقوبات والتي أوجبت تطبيق عقوبة السجن المؤبد أو المشدد، حيث نصت على أن «من قتل نفسًا من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد».

 

وأشار المستشار القانوني إلى أن للمحكمة السلطة التقديرية في الحكم بالسجن المؤبد أو السجن المشدد في جريمة القتل العمد، وتضع أمامها الظروف كل التي أحاطت بالجاني وقت ارتكاب جريمته؛ ففي حالة ارتكاب الجريمة من قبل الأب أو الأخ، تكون الأم أحد المحرضين وقد تكون فاعلًا أصليًا فى تلك الجريمة تحت ستار من الغضب والخوف من العار والفضيحة، خصوصًا فى مجتمعات تأصلت فيها تلك الاعتبارات المتعلقة بالتقاليد والعادات والشرف الذي تعده بعض المجتمعات أهم من الحياة ذاتها، فيقدم الأخ نفسه وحياته فداء لشرف عائلته وتكون عقوبته السجن المشدد أو المؤبد.

وأوضح أنه قد يقترن بتلك الجريمة ظروف مشددة أخرى ويقترب الجاني من تطبيق المادة 230 من قانون العقوبات التي تعاقب بالإعدام لكل من قتل نفسًا عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، وهذا الحكم لا تقضى به محكمة الجنايات إلا عند توافر الظروف المشددة وكذلك انتفاء موجبات الرأفة.

واختتم «أبو العلا» حديثه مؤكدًا أن الزوج فقط هو الذي يستفيد من العقوبة المخففة لجريمة القتل بدافع الشرف، أما غيره من الأقارب مهما كانت درجة القرابة فإن الأمر يتوقف على السلطة التقديرية لمحكمة الجنايات في وضع العقوبة طبقًا لقواعد الرأفة حال توافرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى