حكايات من واقع الحياة
كتبت … د/سماح عزازي
الجزء الثالث
مخزون القيم والمبادئ لدي الانسان والاخلاقيات والموروثات هي التي تشكل شخصيته و وبعض مكتسبات البيئة المحيطة تجعل منه انسانا نبيلا او تجعله انسان لا يمت للانسانية بصله فهو كائن حي يسير علي قدمين لا اكثر من ذلك
شخصية الانسان تظهر علي حقيقتها في غضبه او بعض المواقف التي تسطيع من خلالها الحكم عليه اذا كان انسان ذو اخلاق ويتسم بالانسانية كفعل وليس اسم فقط
في حياتنا حكايات كتير قوي بناخد من قرائتها العظة والعبرة
وبناخد منها مفاهيم جديدة وتساعدنا في تغير الرؤية للافضل والنظر للحياة من منظور جديد
وهناخد مثال من واقع الحياة يظهر مدي جمال الشخصية التي تتسم بالانسانية ومدي رقيها واناقتها ورهف احساسها
وقف جان في المحطة مزهوّاً ببزته العسكرية الأنيقة ، وراح يراقب وجوه الناس وهم ينزلون من القطار واحداً بعد الآخر.. كان في الحقيقة يبحث عن وجه المرأة التي عرفها قلبه ، لكنه لم يرَ وجهها قط. . قالت له إنها ستعلق على صدرها وردة حمراء ليتمكن من أن يميزها من بين مئات المسافرين.
لقد بدأت معرفته بها منذ حوالي ثلاثة عشر شهراً ، كان ذلك في المكتبة العامة في فلوريدا عندما اختار كتاباً وراح يقلب صفحاته .. لم يشده ما جاء في الكتاب بقدر ما شدته الملاحظات التي كتبت بقلم الرصاص على هامش كل صفحة .. أدرك من خلال قراءتها بأن كاتبها إنسان مرهف الحس حسن الأخلاق ، وشعر بالغبطة عندما قرأ اسمها مكتوباً على الغلاف باعتبارها السيدة التي تبرعت للمكتبة بالكتاب.
ذهب إلى البيت وراح يبحث عن اسمها حتى عثر عليه في دليل الهاتف، كتب لها ومنذ ذلك الحين بدأت بينهما علاقة دافئة وتوطدت عبر الرسائل الكثيرة التي تبادلاها ..
خلال تلك المدة، استدعي للخدمة العسكرية وغادر أمريكا متّجهاً إلى إحدى القواعد التي كانت تشارك في الحرب العالمية الثانية.
بعد غياب دام عاماً، عاد إلى فلوريدا واستأنف علاقته بتلك السيدة التي أخبرته أنها في مقتبل العمر وتوقع أن تكون في غاية الجمال.. اتفقا على موعد لتزوره، وبناءاً على ذلك الموعد راح في الوقت المحدد إلى محطة القطار المجاورة لمكان إقامته، شعر بأن الثواني التي مرت كانت أياماً، وراح يمعن في كل وجه على حدة، لمحها قادمة باتجاهه بقامتها النحيلة وشعرها الأشقر الجميل، وقال في نفسه: هي .. كما كنت أتخيلها، يا إلهي ما أجملها ؟! شعر بقشعريرة باردة تسللت عبر مفاصله، لكنه استجمع قواه واقترب بضع خطوات باتجاهها مبتسماً وملوحاً بيده..
كاد أن يُغمى عليه عندما مرّت بجانبه وتجاوزته، ولاحظ خلفها سيدة في الخمسين من عمرها، امتد الشيب ليغطي معظم رأسها وقد وضعت وردة حمراء على صدرها، تماماً كما وعدته حبيبته أن تفعل، شعر بخيبة أمل كبيرة..
يا إلهي لقد أخطأت الظن! توقعت بأن تكون الفتاة الشابة الجميلة التي تجاوزتني هي الحبيبة التي انتظرتها أكثر من عام، لأفاجأ بامرأة بعمر أمي وقد كذبت عليّ!.
أخفى مشاعره وقرر في ثوان أن يكون لطيفاً، لأنها ولمدة أكثر من عام ـ وبينما كانت رحى الحرب دائرة ـ بعثت الأمل في قلبه على أن يبقى حياً.. استجمع قواه ، حياها بأدب ومدّ يده مصافحاً:
أهلاً ، أنا الضابط جان وأتوقع بأنك السيدة مينال . قال يحدث نفسه : ”
إن لم يكن من أجل الحب ، لتكن صداقة ” ، ثم أشار إلى المطعم الذي يقع على إحدى زوايا المحطة :
تفضلي لكي نتناول طعام الغداء معاً..
ردت : يا بني، أنا لست السيدة مينال ، ولا أعرف شيئاً عما بينكما ، ثم تابعت تقول: قبيل أن يصل القطار إلى المحطة اقتربت مني تلك الشابة الجميلة التي مرت بقربك منذ لحظات ، وأعطتني وردة حمراء لأزيّن بها صدري وقالت : سيقابلك شخص في المحطة وسيظن بأنك أنا.. إن كان لطيفاً معك ودعاك إلى الغداء قولي له: بأنني أنتظره في ذلك المطعم ، وإن لم يدعُك اتركيه وشأنه .. لقد قالت لي الشابة بأنها تحاول أن تختبر إنسانيتك ومدى لطفك. عانقها شاكراً وركض باتجاه المطعم .
اللحظات الحرجة في حياتنا هي التي تكشف معدننا وطيبة أخلاقنا.. الطريقة التي نتعامل بها مع الحدث ، وليس الحدث بحدّ ذاته ، هي التي تحدد هويتنا الإنسانية ومدى التزامنا بالعرف الأخلاقي.
ظن ذلك الشاب في أعماقه بأن تلك المرأة التي تبدو بعمر والدته قد غشّته ، ولم تكن الفتاة التي بنى أحلامه على لقائها..
ومع ذلك لم يخرج عن أدبه ، بل ظل محتفظاً برباطة جأشه..
تذكّر كلماتها التي شجعته على أن يبقى حياً ومتفائلاً خلال الحرب ، وحاول في لحظة أن يتناسى غشها ، فكان لطيفاً ودعاها إلى تناول الغداء.
هناك مثل صيني يقول :
إذا استطعت أن تسيطر على غضبك
لحظة واحدة..
ستوفر على نفسك مائة يوم من الندم .
احسن الظن و لا تلقى بالاحكام وانت لا تعرف ظروف الطرف الآخر إبني حكمك بعد الفهم
لنجد ان الانسانية أسهل لغة واعظم دين وارقي اخلاق اجمل ما يتصف به شخص فهي لغة الوجود والتي توحد بين جميع الشعوب باختلاف اجناسها ولغاتها وديانتها وطباعها فهي الهدف الاسمي علي الارض والصفة التي حبا الله بها البشر وهي الانسانية