بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
الرئيسية

داليا السبع تكتب قصة قصيرة  “الصوت الخفي “

داليا السبع

غالبا ما تعجز الأنفاس عن التواجد بمساحاتها المعهودة، لحظات تترنح بها النفس من هول الدهشة التي قد تهاجم حصون التوازن والقدرة على الصمود ،قد نعجز عن الإنصات لتيارات الصخب من حولنا، أين نقف ؟ومن يؤثر بنا ؟! وبمن نتأثر؟! من العابث بتكويننا النفسي ؟! بالأحري.. من قاتل الحياة ومدمر لكيانات الوجود؟! هل هو الإنسان الجبروت؟! أم ضمير يختبئ وراء نوازع خفية لشيطان ؟!

هكذا ظلت هواجس نفسها تعقد محكمة غاضبة وسط تساؤلات حائرة

وهى على متن الطائرة القادمة من “لندن” بعد مرور أربع سنوات ترى كيف تستقبلين الواقع هناك اليوم؟! كيف كانت تلك السنوات الأربع؟! غمغمت…. آه كم مضت مسرعة تلك السنوات أمام ناظري كشريط سنيمائي بطيء الحركة، كيف قدمت أنا الفتاة الريفية المتفوقة إلى بلاد تكاد لاتنام أبدا برَّاقة حقاً ؛صخبها مبهر، تعجز النفس في بادئ الأمر التميز بين الجيد والرديء بين القبيح والحسن ،ما الذي جعلها تقيّم هذا الأن وهى عائدة إلى وطنها تحاكي الصمت.. تترنح بسؤال تلو الآخر وتتنهد، كيف ترى نفسها اليوم وكيف تبدأ من جديد ؟! لم هذه الحيرة العجيبة والتردد المقيت؟! “جميلة ” ذات الخامسة والعشرون عاما أسم يصف كيان “جميلة “بكل ما في الكلمة من معنى اطلق لخيالك العنان وتخيل كيف يكون الجمال متجسداً في إمرأة ذات عقل أجمل من مظهرها تستفيق من شرودها وهجوم التساؤلات العجيب الذي حصد مواقف وهواجس أربع سنوات مضت صوت المضيفة الجوية : إلى السادة الركاب الرجاء ربط أحزمة المقاعد إستعداداً للهبوط

نصل الأن إلى مطار القاهرة الدولي … حمداً لله على سلامة الوصول .

فرحة تقافزت في صدرها وضحكة لم تستطيع معها السيطرة على نبضات قلبها ،كادت تشعر بها في جميع جسدها، ترى هل يستطيع من يجلس بجوارها سماع صوت نبضها ؟! همست ضاحكة “ها ها ها ”

وإن يكن لا أبالي ترى هل أتى والدي؟ كم أشتاقك يا جبل الصبر العظيم يا شجر العطاء يا غطاء الأمان إخوتي “علي “احمد “و”زهرة” من سيأتي منكم اليوم ؟هيا فلتهبطي لم يعد بين الضلوع موضع لصبر.

صوت حديثها المتلهف للقاء جعل وجهها كقرص الشمس الساطع في يوم بارد يشعل الأجواء بالدفء يبهر من يراه ، وصوت يتردد في أسماعها” جميلة ” كم أشتاقك ؟! تلتفت وكأنها تألف هذا الصوت نعم تألفه صوت ينادي من بعيد ولكنها لم تستطيع أن تحدد من صاحبته ، تنظر ولا تجد أحداً تصمت ولكن بداخلها يود أن يعرف صاحبة هذا الصوت تبدأ الطائرة بالهبوط ترتجف جميلة مازالت تختنق وقت إقلاع وهبوط الطائرة، تتصبب عرقاً تمسك بأي شئ دون وعي تستفيق بعد أن تتوقف الطائرة وهي ممسكة بشدة بيد من يجلس جانبها، دون وعي تردد أيات الله متتاليات، فزعة حد الرجفة المألوفة

ترى ما الذي يجمعهم! هى ذات السريرة الهادئة الأصيلة..

هو ذات النبت الطيب، فالأصلاء مهما جارت عليهم الأزمان ومهما عصفت بهم تيارات التحول والحداثة والتطور وتبعاتها من خير وشر من أمراض وأوبئة وعلاجات هم شخوص ونفوس لاتتغير أبدا…

غمغمت بصوت خفيض: ما كل هذا الأن أبي هل منزلنا كما هو؟! تسأل والدها يجيبها ضاحكاً كما هو يا “جميلة”؛ تطلق “جميلة” الخيال وتعود بذاكرتها وصوت والدتها …

جميلة هيا إستيقظي !!

تعدو هى وإخوتها ضحكاتهم تملئ المكان

صفاء لا يوصف وقلب

لا يحمل إلا صوت الحب

بنقاء .. يا الله هذا منزلنا

صيحة باغتتهم بها “جميلة ”

هذا منزلنا وبدأت الدموع بالإنهمار كم كنت أود أن أراها !! آه يا أماه كم أشتاقك؛ أين تلك الأحضان الدافئة الجامعة لكل المعاني؟!

:أذكريها بالخير وهيا لنقرأ لروحها الفاتحة، هيا الطعام قد أتى !! خالة” كرستين” حبيبة أمي وعشرة عمرها

“جميلة” العذراء / ، ،، ، ،،، يا إبنتي “. قالتها بهذا القلب النقي وصفاء القلب الحنون عانقتها وطال بكائي بأحضانها … إلى أن داهمني التعب ،أريد أن اخلد للنوم هيا سأصعد.معك إلى غرفتك

هكذا تحدثت” زهرة” الاخت الصغرى” زهرة” عبيرها يملئ المكان تنظر إليها جميلة بحنان لا عليكي سأصعد أنا لقد تأخر الوقت هيا تصبحون على خير … تدخل إلى غرفتها تشتم كل شئ الشراشف والأوراق إنها كما هى… الطاولة كما هى …

حتى قلمي بقلب الكتاب مازال باقي بجانب تلك الزهرة، يااااه!! هل لازالت هنا ؟اذكر أمي وقد اهدتني هذه الوردة وزرعتها بقلب كتابي هذا منذ سنين ، تترقرق الدموع بين هدب الحنين

تعزف بصوتها آهات الشجن

خالطت مشاعر الفرحة وتلك الوخزة الخفيفة بقلبها وهى تمسك بصورة أمها،وفي هذه الاثناء تسمع ذلك الصوت جميلة كم أشتاقك!! ولكنه الأن بوضوح أكبر، نعم إنها أمى !! هكذا انتفضت وهى تقول أنا أيضا يا أمي أشتاقك أضعافاً

تعالي إنى في إنتظارك ،

تمسك مصباح الكيروسين

وتنزل الدرج ببطئ وإذا بها تخرج من المنزل لتلبية النداء تصل إلى المقابر وينقبض قلبها

وتتسارع أنفاسها تقف تائهة لقد تغيرت ملامح المقبرة لقد نسيت أين قبرك يا أمي ؟!

ولم تكمل حديث نفسها إلا وأحست لمسة على خدها جعلتها تنتفض تنظر تتلفت يمينا ويسارا !!

من هناك :تتحدث بصوت مرتعش جميلة كم أشتاقك …هرعت خلف الصوت وإذا بها أمام قبر أمها ظلت تقرأ لها الأيات الواحدة تلو الأخرى وإذا بها تسمع هيا حبيبتي إني أنتظرك !!! لقد آن الآوان إني أشعر بهذا !

وسط تعجب وفزع جميلة التي ظلت ترفع مصباح الكيروسين وتنظر بتمعن وسط المقابر وإذا بها تلمح قبوراً بجوار قبر أمها.

وكانت الصاعقة جعلتها تتجمد في مكانها المقابر المجاورة ما هذا ..جابر الحارث أبي … وأخر كتب عليه

أحمد جابر الحارث أخي .. زهرة جابر الحارث أختي.. تنطق الكلمات والغصة تملء صوتها والدموع لا تعرف من أين تأتي دون توقف ثم تقف ولا تتنفس وهذا قبر كتب عليه

“جميلة جابر الحارث ” تاريخ الميلاد ….وتاريخ الوفاة ..هل أنا ميتة ؟!

هل أنا روح هائمة ؟! ماذا وأين كيف ومتى !

شرود تصبب معه العرق من كامل جسدها وهى لا تعلم الإجابة وخز يخدر جسدها لا لا بل روحها المعلقة .. فجأة تجسد لها الجميع هيا بنا كنا بإنتظارك … وإذا بها ترى جثمانها والناس تصلي عليه يبكيها الجميع بحرقة اخيها “علي” الذي ظل يردد لم يعد لي أحد بعد الأن وإبن جارتهم “كرستين” الذي تذكر والدته التي لطالما تعلقت بها واحبتها هى وعائلتها :تبسمت وهى ترى كل هذا الحب نعم وجع الفراق آليم ؛ علمتُ الأن سر هذا الصوت والحكمة من سماعه طوال الوقت إنه النداء الذي لم يتركها الذي لطالما لازمها حتى

اتى بها من بلد تفصلها عن بلادها مسافات وبحار

تمت

قصة قصيرة بعنوان

 

“الصوت الخفي “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى