متابعة:لطيفة القاضي
يقول كونديرا في روايته ” كائن لا تحتمل خفته ” في بداية أساطير كثيرة ؛ هناك أحد ما ينقذ طفلا لقيطا ٠ وهذا ما فعله إياد طه ببساطة شديدة ؛ ( بأيدي إحدى المليشيات المسلحة في العاصمة والتي كانت تدَّعي المقاومة باسم المذهب الديني الذي يختلف عن بطلنا المغوار ص٢٢)٠ يحاول إياد طه في المقطع السردي السابق ومن خلال موضوعة الأغتراب الفكري بتجلياتها المختلفة ؛ حيث تجربة الحياة المعاشة في تفاصيل الرواية ” س ع” تجربة مليئية بالمفاجأت والتغيرات المعقدة والتي أنعكست على السرد ٠ وأنتجت وعيا ذاتيا في السرد قد يختلف بعض المتلقين ؛ فيما ذهب له الروائي طه ؛ وقد يتفق البعض الآخر وفي كلا الحالتين هناك إنحياز شديد للموقف سواء المؤيد أو المعارض ٠ وهذا الإيقاع يحمل الفجيعة لملاح يبحث عن سواحله القديمة في ظل موج صاخب دون أن تثنيه الرياح القوية في ظل طقوس الغربة ٠
وإذا كانت الرواية وليدة بعض الطبقات البرحوازية ٠ وأدلجتها بهذه الصورة استجابة للطبقات العاملة المازومة ؛ فإن فن الرواية في عالمنا العربي جاءت نتيجة طبيعية لإستعمار الغرب لهذا العالم ؛ او وهو العربي فمن الضروري أن ينقل فن سرده التي تأت على شكل رواية ؛ وبما أننا في عالمنا العربي نعيش منذ قرون خلاف مفصلي وموضوعي بين عقل النقل وعقل التفكير ؛ فإن رواية ” س ع” جاءت لتؤكد على هذه العلائق بين مستعمر ترك ارضنا شكلا وبقي مهين فكرا ؛ وقوى اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ؛ حاولت تجاوز هذا الأستعمار ؛ إلا أنها وقعت في فخ ومصيدة المستعمر الذي رسم لنا طريق المذهب والتعصب لكن بشكل معاصر ؛ مستحضراً هذه المفردات من تاريخنا وثقافتنا وتراثنا ٠ والكاتب طه في كل جملة روائية يجب ان تتلامس الحروف مع بعضها برأفة ؛ وتناغم ؛ كتلامس الأجراس لتصدر دقات الخوف ؛ ( بعد إطلاعه على الكثير من أفكار المنظمة الهدامة لكل القيم الانسانية ؛ والمعطشة للدماء باسم الدين دون أيّ اعتبار للعقيدة والفقه والآيات السماوية المقدسة ؛ والمستندة على الشبهات فقط ص٥٤) ٠
مثّل خطاب رواية ” س ع” في تشكيل الرّمز كخيار مصالحة فنّية بين مرآة الوجع والحاض وثقافته ٠ وبقدر ما كان صوت خافت ورغبات دفينة ؛ يُحُوَّل سجن كلماته إلى فردوس مغامرة تعبيريّة أساسها نَقْل رسم الشخصية الروائية من الرمز إلى الإشارة ؛ ( وكان بطلنا وسطهم يكظم غيظه ؛ قال : شيوخ العشائر تجدهم في الولائم ومع من يقدم لهم الهدايا ص٧٢) ٠
رواية ” س ع ” هي تجربة ” العدد ” والتّجانس والتّمّاهي ٠ ففيها يتّسم جانب الخفية والتقيّد بالنّظم والتّقاليد والأعراف من خلال تحويل الممارسة الروائية إلى حركة مسايرة للجماعة تأخذ عنهم ؛ وتتّبع مسالكهم وقواعد بنائهم الروائي وصياغة الكاتب لهذا الشكل الروائي ومضامينه ؛ ( هل ستكونين بهذا الجمال والصفاء وتتبعنني حيث ما أكون ؟ هل أَنّي سأودِّع هذا الجمال ها هنا وتُعتْتِمين في رحلتي ؟ ص٩٢ ) ٠
يتّضح من خلال شواهد الدراما الموظفة في رواية ” س ع” ؛ ان تطويع العلاقة التّراثية لم يقتصر على الجانب الرؤى في اشتغال الهويّة الجمعية ؛ وإنمّا أدّى إلى طرح هوية إبداعيّة ؛ وإلى توظيف الذّاتي ؛ فتغير التاريخ من مسلّمات مقصديّة الرّمز ؛ وأضحت خامة الطّين فضاء للرؤيا ؛ ( جلس بطلنا في الظلام الدامس الذي ذكَّره بالسجن والظلمات التي مرَّ بها ؛ والتعذيب والخذلان ؛ وبعض الذكريات التي أصبحت نقشّا سومريّا في مخيلته ص١٤٤) ٠
لابد من الإشارة إلى أن الأغتراب الجمالي – وبالبراعة النسقية والممحكات اللغوية – في رواية ” س ع ” – من مغرياتها الفنية ومحفزاتها الشعورية ؛ التي ترتقي بالنسق المماحك إلى أوج حراكها الفني ؛ وتفاعلها النسقي ؛ ( اخرج سيجاره الفاخر الذي أول من علمته ندى مع فنجان القهوة ص١٤٢) ٠
ولاسيما ان هذه التقنية التي وظفها الروائي اياد طه من المماحكة تؤدي بالضرورة إلى اغتراب من نوع أخر ألا وهو تكثيف المشاهد الصوفية ؛ أو المشاهد الوصفية ؛ ( لكن هذا ثمن لخلودي في صفحات وتاريخ هذا الوطن ص١٦٧ ) ٠
كما استطاع الكاتب طه توظيف تقنية الأسلوب المتفاعل مع السرد ؛ الذي يؤدي إلى تكثيف الرؤية ؛ ومدلول الحدث ؛ لهذا فإن سردية الإغتراب الأسلوبي تحددها القيم الجمالية التي تثيرها المتغيرات الاسلوبية في السياق الواحد ؛ وبمقدار الدراما ؛ وكثافة الحدث ؛ وتنوع المشاهد الدرامية ؛ يلتفت المتلقي لحجم المأساة والملهاة في آن واحد ؛ ( خسرتُ وطنّا خسرتُ صحبة ؛ خسرتُ عائلة ؛ ابني أحبابي ؛ ضاع عمري في التنقل هنا وهناك ؛ بتُّ لا أعرف اسمي الحقيقي أو طبعي وسجيتي ص٢١٦) ٠
رواية ” س ع ” للكاتب د/ اياد طه ؛ تدعونا للتساؤل : هل انّ المسائل خرجت من بين أيدينا ؟ وأنّنا لم نعد نكتفي بتبادل النّظرات أمام جثة الوطن وقائلين : ماذا سنفعل ؟