بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
مقالات

الضوابط القانونية للتحقيق في الجرائم الدولية ١-٣

بقلم:  د أحمد شعبان

       مدرس القانون المنتدب بجامعة الزقازيق
الضوابط القانونية للتحقيق في الجرائم الدولية ١-٣ 2
تعتبر الجريمة سلوكا ينتهك القواعد الأخلاقية والقانونية على حد سواء، وهي كل سلوك تحرمه الدولة لما يترتب عليه من ضرر على المجتمع والأفراد، وقد تطورت أساليبها واتسع نطاقها مع تعدد الدول، بحيث لم تقف الحدود عائقا أمام المجرمين الذين ارتكبوا جرائم في غاية الخطورة مست أمن وسلامة البشرية بشكل عام، مما دعا لإنشاء قواعد خاصة بهذا النوع من الجرائم وفق قانون محدد يضم شقين أحدهما دولي والآخر جنائي، وتأسيس هيئات دولية خاصة لمعاقبة هؤلاء المجرمين الذين يخالفون القواعد الأخلاقية والقانونية للدول، ولذلك فوجود نظام قضائي جنائي دولي أمر في غاية الأهمية، ولا يقل أهمية عن وجود النظام القضائي الداخلي في أي مجتمع طبيعي متحضر، خاصة إذا نظرنا إلى بشاعة الجرائم الدولية وأثرها على البشرية جمعاء، ولما لهذا القانون من أهمية قصوى في مجال إسباغ الحماية الجنائية على المصالح ذات الأهمية البارزة في المجتمع الدولي.
ومن أجل تطبيق القانون وتحقيق العدالة يشكل التحقيق في الجرائم الدولية والمحاكمة عليها بمختلف أنواعها مثل جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب – مكونة أساسية للقانون الدولي الجنائي، حيث تساعد التحقيقات مع القادة المجرمين سياسيين كانوا أو عسكريين ومحاكمتهم على حد سواء في تقوية سيادة القانون، وتبعث برسالة قوية مفادها أن الجرائم من هذا النوع لن يسمح بها مطلقا في مجتمع دولي يحترم الحقوق. من خلال هذه المنطلقات التي تكمن في هذه الدراسة، تظهر ملامح هذا البحث الذي حمل عنوان: التحقيق في القانون الدولي الجنائي.
هناك من الفقهاء من يقول إن مبدأ الشرعية بدأ يبرز في القانون الدولي الجنائي بعد صدور العديد من المعاهدات الدولية التي تحدد الجرائم الدولية ، ولكن ما دام أن مصدر هذه المعاهدات الدولية هو العرف وأن هذا الأخير في حالة تطور مستمر إن فكرة الجريمة الدولية ليست حديثة تماما في المواثيق الدولية بدليل تناولها ديباجتي اتفاقيات لاهاي لعام 1899 و 1907 كل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، ومنذ ذلك الوقت توالت الجهود الدولية لتقنين الأعمال التي تعد من قبيل الأفعال التي تهدد مصالح جوهرية للجماعة الدولية عن طريق اتفاقيات ومعاهدات دولية، و الشيء الجديد في مفهوم الجريمة الدولية ” أنه : يتضمن فعلا غير شرعي هو جريمة الدولة التي تنسب إلى الدولة ذاتها، حيث لقيت الجريمة الدولية اهتماما متزايدا من قبل المجتمع الدولي وخصوصا في القرنين الأخيرين ، وقد تنامي هذا الاهتمام العالمي بهذه الجرائم في إطار المحاولة للتخفيف من الآلام التي لحقت بالبشرية جراء ارتكاب العديد من الجرائم البشعة في حق الشعوب لا سيما خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تبعهما من حروب أهلية وإثنية وعرقية، وسياسات تمييز عنصري مقيتة عانت ومازالت تعاني منها البشرية حتى يومنا هذا.
ماهية الجرائم الدولية
نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة الخامسة منه على الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصات المحكمة، وقد وصفت هذه الجرائم بأشد الجرائم خطورة، والتي تكون موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وهذه الجرائم بالإضافة إلى جريمة الإبادة الجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الحرب وجريمة العدوان.
والمحكمة الجنائية الدولية هي مؤسسة قائمة على معاهدة ملزمة فقط للدول الأعضاء فيها فهي ليست كيانا فوق الدول، بل هي كيان مماثل لغيره من الكيانات القائمة فهي ليست بديلا عن القضاء الجنائي الوطني، وإنما هي مكمل له المادتين 01-17، فالمحكمة لا تقوم بأكثر مما تقوم به كل دولة من المجتمع الدولي الأعضاء في معاهدة أنشأت بمقتضاها مؤسسة لمباشرة قضاء مجموعة الجرائم دولية محددة.
والمحكمة الجنائية الدولية هي عبارة عن مؤسسة دولية قضائية مستقلة ودائمة ذات اختصاص جنائي، أنشئت بموجب المعاهدة الموقع عليها في روما عام 1998 الغرض التحقيق ومحاكمة الأشخاص الطبيعيين، الذين يرتكبون أشد الجرائم خطورة على المستوى الدولي على وفق ما أشارت إليه المادة الخامسة من نظامها، وهي الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية ، جرائم الحرب وجريمة العدوان، علما بأنها ليست كيانا فوق الدول ولا بديل عن القضاء الجنائي الوطني و إنما مكملة له، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على إنشائها أثبت الواقع العملي وجود العديد من العقبات التي تحول دون تحقيق أهدافها، مما يحتم عليها تدارك الثغرات والنقائص التي تعتري نظامها الأساسي للحد من إفلات الجناة من العقاب، وكذلك العمل على زيادة عالمية نطاقها من خلال حث الدول على الانضمام إليها والتعاون معها، لأن أمل البشرية في أن تصبح هذه المحكمة درعا قويا تعمل على تحقيق العدالة وتتصدى لمنتهكي حقوق الإنسان، وهذا يتطلب منها نضالا مستمرا للوصول للعدالة الجنائية الدولية المنشودة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى