بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
العزة خلق محمود، وهي من أعظم أخلاق الإسلام، فالمسلم لا يهان ولا يستضعف ولا يستخف به، وأعظم ما يعتز به المسلم دينه وكتاب ربه عز وجل.
وقد حرم الإسلام على المسلم أن يهون، أو يستذل، أو يستضعف، ورمى في قلبه القلق والتبرم بكل وضع يخدش كرامته وجرح مكانته، فالعزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى الإسلام بها، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وسنّ من تعاليم .
نحتاج في هذه الآونة أن نذكِّر الناس بعزة الإسلام والمسلمين يوم أن كان القوم متمسكين بدينهم ويدافعون عنه، ولا يخافون إلا الله ..
لذا سأذكر ثلاث قصص عن عزة الإسلام في زمن الصحابة، ومَن بعدهم؛ حتى يتبيّن لنا سرّ عزتهم وقوّتهم.
القصة الأولى: أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رسالةً إلى كسرى، وقال: أسلِمْ تَسلَم، وإلا جئتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
فلما قرأ كسرى الرسالة أرسل إلى ملك الصين، يطلب المدد والنجدة، فرد عليه ملك الصين قائلاً: يا كسرى، لا قوّة لي بقومٍ لو أرادوا خَلْعَ الجبال من أماكنها لَخَلَعُوها.
القصة الثانية: من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها؛ وذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قِبَلَكَ، وافتدِ نفسك، وإلا فالسيفُ بيننا، فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه، وتفرق جلساؤه خوفًا من بادرة تقعُ منه، ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قرأت كتابك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، ثم ركب من يومه، وأسرع حتى نزل على مدينة هرقلة، وأوطأ الروم ذلاًّ وبلاءً، فقتل وسبى، وذل نقفور، وطلب الموادعة على خراج يحملُه، فأجابه، فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نقفور، فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد، حتى عملت الشعراء أبياتًا يلوحون بذلك، فقال: أَوَقَدْ فعلها؟ فكَرَّ راجعًا في مشقة الشتاء، حتى أناخ بفنائه، ونال منه مراده، وفي ذلك يقول أبو العتاهية:
ألا نَادَتْ هِرَقْلَةُ بالخراب
مِنَ الملِكِ الموفَّق للصوابِ
غدا هارونُ يُرعِد بالمنايا
ويُبرِق بالمُذَكَّرَةِ الصعابِ
ورايات يحلُّ النصرُ فيها
تمُرُّ كأنها قِطَعُ السَّحابِ
القصة الثالثة: ما تواتر في كتب التواريخ التركية أن السلطان سليمان القانوني رحمه الله لما سمع أن في فرنسا أحدثوا الرقص بين الرجال والنساء، كتب إلى ملك فرنسا قائلاً: بلغني الخبر أنكم أحدثتم رقصة فحشاء بين الرجال والنساء، ولما يأتيك رسالتي إما أن تمنعوا هذا الفحش بأنفسكم، أو أتيتُ إليكم، ودمّرتُ بلادكم، وبعد هذه الرسالة لم يكن الرقص في فرنسا مائة سنة.
وجه الاستشهاد بهذه القصص هو خوف الكفرة من مواجهة المسلمين، والسبب أن المسلمين لا يخافون من أحد إلا الله تعالى، من أجل ذلك قال ابن القيم رحمه الله: “من خاف الله، خافه كل شيء، ومن لم يخف الله، أخافه من كل شيء”.
ولذا؛ لما فَقَدَ مسلمو آخر الزمان الخوفَ من الله تعالى بسبب عدم تفقههم في دينه كما ينبغي، فقدوا العزة والقوة والكرامة بسبب عدم العمل بشرعه، وصاروا غثاء كغثاء السيل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)، قالوا: يا رسول الله، أَمِن قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون كغثاء السيل، ينزع الله المهابة من قلوب عدوّكم، ويجعلها في قلوبكم، ثم يجعل في قلوبكم الوهن)، قالوا: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حب الحياة، وكراهية الموت).