الواقع فاق خيال الدراما، وأُجبِر ملايين البشر على البقاء في المنزل ففي أغنيه شهيرة Imagine تخيل المُغني الراحل جون لينون البشر يتعايشون معاً في سلام وسعادة؛ بلا أحقاد أو حروب أو تعصب، وبدون حدود جُغرافية تعزلهم عن بعضهم البعض، لكنه لم يتخيل أن يأتي اليوم الذي تُصبح فيه حدود الإنسان هي باب منزله، وأمانه في تجنب الآخرين، وفي العزلة الذاتية،
وعلى عكس جون لينون تخيلت السينما العزل الذاتي لمجموعات محدودة من البشر، وكيف يمكن أن تتسبب الحروب النووية، والفيروسات في أن يعود الإنسان المُعاصر إلى حياة الإنسان البدائي في الكهوف؛ حيث الخروج محدود للغاية؛ تحت ضغط الحاجة للأكل والشرب
ففي حقبة الستينيات كان الخوف الأكبر من وصول الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي و امريكا إلى مرحلة الصدام النووي، وهى النهاية التي تخيلها جيل الستينيات للعالم، ووصلت المواجهة بين القطبين الكبيرين إلى أعتاب الولايات المتحدة، وبدأ ما يُعرف بأزمة خليج الخنازير.
و في فيلم الكوميديا الرومانسية Blast from the Past يعزل عالم وزوجته الحامل نفسيهما داخل ملجأ مُقاوم للضربات النووية، ويتصادف سقوط طائرة فقد قائدها السيطرة عليها فوق المنزل؛ مما يدفع الزوجين للظن أن هجوماً نووياً حدث بالخارج.
وبعد 35 عاماً يضطر الابن “براندون فريزر” المولود داخل هذا الملجأ للخروج للتزود بمؤن جديدة، ويجده الآخرون شخصاً غريب الأطوار، قديم الطراز، توقفت ثقافته عند الأعمال التليفزيونية المسجلة القديمة التى شاهدها مراراً وتكراراً بصحبة والديه، ليحاول تعويض ما فاته في سنوات العزل الذاتي.
و العزل الذاتي تحت الأرض يشبه الواقع كثيراً؛ فهذا ما يفعله البعض في حالات الحروب والأعاصير المُدمرة، ولكن دراما الخيال العلمي شطحت بعيداً عن الكرة الأرضية؛ بعد استحالة العيش عليها؛ فبعد هجوم نووي أصاب أجواء الأرض بتلوث إشعاعي يستمر مائة عام كان قرار النخبة هو الهروب إلى محطة فضائية
وكانت هذه فكرة المسلسل الدرامي “المائة” The 100 وعنوان المسلسل يشير إلى المائة شخص الذين تم إرسالهم بعد مائة عام للتأكد من صلاحية الأرض للحياة مرة أخرى.
و ما حدث في المسلسل يشابه كثيراً ما حدث في فيلم الأنيمشن WALL·E حيث عاش البشر في عزل فضائي حتى تنتهى فترة تلوث الأرض، وجعلوا من الأرض مكب نفايات يتابعه ويشرف عليه روبوت قديم الطراز، وبينما يفقد البشر فى مكان عزلهم الفضائي كل مشاعر التواصل الاجتماعي ويغرقون في شاشاتهم الإلكترونية
و لجأ ايضا ويل سميث إلى عزل نفسه داخل منزله في فيلم I Am Legend وكانت فترة حظر التجول خارج المنزل تبدأ من الغروب حتى الفجر، وهو الوقت الذي ينشط فيه ما تبقى من بشر أصابهم فيروس غامض وحولهم إلى كائنات زومبي عنيفة تتغذى على الدم، ويصيبها الضوء بالعمى وتحرقها أشعة الشمس.
نفس الفكرة تقريباً تناولها فيلم 28 Days Later “بعد 28 يوماً”، وتخيل فيروس ينتقل للبشر من الحيوانات، ويصيب البشر في لندن، وينتقل الفيروس إلى الدم البشري، ويتسبب فى تحول الإنسان إلى زومبي قاتل، ويعيش الناجون في المنازل المهجورة في عزل ذاتي بعيداً عن كائنات الزومبي.
ربما كانت الدراما مُبالغة في تصويرها لمُسببات العزل المنزلي، وقد وضعته داخل أُطر درامية لمخاطر خيالية، ولكن الواقع فاق خيال الدراما، وأُجبِر ملايين البشر على البقاء في المنزل، والتحرك بحذر خارجه، ليس خوفاً من إشعاع نووي أو زومبي قاتل، بل فيروس يصفه العلماء بالضعف!