بخصوص قصة برصيص العابد أريد أولا أن أنبه إلى أن قصة الراهب برصيصا قد أوردها بعض أهل التفسير ويرفعها إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كالقرطبي على سبيل المثال، ولم أجد لها ذكرا فيما أتيح لنا الوقوف عليه من كتب السنة، التي تعتني بالثابت دون غيره، وهي من قصص بني إسرائيل التي قال عنها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) ويقول عز وجل ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) ويقول سبحانه وتعالى ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل).
وقيل فى هذه الآيات أقاويل وتفاسير كثيره، مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير، النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أُخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم، وإلى نُصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْسانًا، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه، في نُصرته، وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه ( إذ قال للانسان أكفر ) هل هو إنسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عُني بذلك إنسان بعينه.
ويقال أن برصيصا كان عابد زاهد يعبد الله من بني إسرائيل وكان صالح وقيل أيضاً انه كان صعب جداً اغوائه من قبل الجن والشياطين من قوة إيمانه بالله عز وجل وحتى إبليس لعنة الله عليه يقال انه لم يقدر ان يغوي برصيصا وقيل أنه عبد الله سبعين سنة لا يعصي الله ظاهرا ولا يخرج من مضجعه الا لحاجة، ولكن في يوم من الأيام أتى له ثلاثة أخوة يريدون الذهاب للجهاد في سبيل الله وكانوا معهم اخت لا يدرون مع من يضعوها لكي يذهبوا ، وقالوا لا نأتمنها الا عند الرجل الصالح برصيصا
فلما ذهبوا وعرضوا عليه الموضوع رفض ورفض لكن وافق بعد وقت لإلحاحهم عليه بأن يقبل وقالوا له انها في بيت قريب من بيتك ماعليك الا ان تجلب لها الطعام ، فذهبوا الأخوة للجهاد وكان برصيصا يجلب لها الطعام ويذهب هكذا يومياً حتى اتبع خطوات الشيطان ، فكان يتدرج معه الشيطان في اوقاعه في الفاحشة ، فتارة يقول له الشيطان اذهب وسلم عليها لكي تتطمن أهي حية ام ميتة وتارة يقول له سلم عليها واسأل عن حاجتها وأيضاً يقول له سلم عليها واسأل عن حاجتها و تكلموا من خلف الباب .
فأتى له الشيطان هذه المرة وقال له اطرق الباب وادخل البيت وأسأل عن حاجتها ، حتى أتى يوم فوقع في الفاحشة وقام استغفر ربه وتاب ، وأتى يوم وقالت له هذه المرأة انها حامل فلم يعلم ما يفعل حتى انجبت الطفل وأتت به إلى برصيصا وقالت له ماذا افعل فلم يعلم ، فهم بقومه ان يقولون هذا هو العابد زنى واهتم بكلام الناس فزين له الشيطان ان يأخذ الطفل ويذهب به خارج المدينة وقتله ، فأصبح هذا الرجل العابد الزاهد برصيصا هو قاتل وزاني
ثم جاء الشيطان إلى إخوتها في المنام، فقال لهم : إن برصيصا فعل بأختكم كذا وكذا، وقتلها ودفنها في جبل كذا وكذا، فاستعظموا ذلك، وقالوا لبرصيصا: ما فعلت أختنا؟ فقال: ذهب بها شيطانها، فصدقوه وانصرفوا، ثم جاءَهم الشيطان في المنام، وقال: إنها مدفونة في موضع كذا وكذا، وإن طرف ردائها خارج من التراب، فانطلقوا فوجدوها، فهدَّموا صومعته وأنزلوه وخنقوه، وحملوه إلى الملك فأقرَ على نفسه فأمر بقتله، فلما صُلِب قال الشيطان: أتعرفني؟ قال: لا والله، قال: أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، أما اتقيت الله، أما استحيت وأنت أعبد بني إسرائيل؟
ثم لم يَكفِك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها، وفضحت أشباهك من الناس، فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدَك، فقال: كيف أصنع؟ قال: تُطيعني في خصلة واحدة وأنجيك منهم، وآخذ بأعينهم، قال: وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة، فقال هذا الرجل العابد لن اسجد لك لأنه يعلم ان عقاب الشرك بالله انه مخلد في النار وتضيع جميع اعماله الحسنة فتكون هباء منثور، وهو يرى الناس قد بدؤوا يقتربون منه للقصاص سجد للشيطان.
فقال: أنا أفعل، فسجد له من دون الله، فقال: يا برصيصا، هذا أردت منك، كان عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني برئ منك، إني أخاف الله ربَ العالمين، ولكن الشيطان لم يساعد برصيصا فمات وهو ساجد للشيطان فأصبح مشركا بالله ، فهو زاني ثم قاتل ثم كاذب ثم اسوء البشر في قومه ثم مشركا بالله تعالى، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: فضرب الله هذا مثلا للمنافقين من اليهود، وذلك أن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجلي بني النضير من المدينة.
فدس إليهم المنافقون ألا تخرجوا من دياركم، فإن قاتلوكم كنا معكم، وإن أخرجوكم كنا معكم، فحاربوا النبي صلى الله عليه وسلم، فخذلهم المنافقون، وتبرءوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا العابد، فكان الرهبان بعد ذلك لا يمشون إلا بالتقية والكتمان، وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار فرموهم بالبهتان والقبيح، حتى كان أمر جريج الراهب، وبرأه الله فانبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس.