محمد حافظ الشرقاوي .. يكتب : الشيخ زايد .. المدينة التي كانت فاضلة
قبل 25 عاماً تأسست مدينة الشيخ زايد لتكون واحدة من مدن الجيل الثاني من المدن الجديدة، بمنحة من صندوق أبو ظبي للتنمية ، وأطلق عليها هذا الأسم تقديراً للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، أول رئيس لدولة الامارات العربية المتحدة ، وعلى مدى ربع قرن ، كانت المدينة نموذجاً للمدن الحضارية وفخراً لساكنيها وزوارها ، مما جعلها تستحوذ على استثمارات بالمليارات في مجال الاستثمار العقاري وغيره .
أما بعد هذه المقدمة التاريخية – التي لابد منها – ندرك أننا نتحدث عن تاريخ أصبح أثراً بعد عين ، فالمدينة الفاضلة والحضارية ، لم تعد لا فاضلة ولا يحزنزن ، بل راحت العشوائية تنخر في هيكلها وتزحف لكل مجاورة بها ، وقد تملك القائمين على حمايتها وتطويرها رغبة في أن تلحق بالمدن والأحياء التي سبقتها للعشوائية .
جولة سريعة في ربوع المدينة كافية لتلطم خديك على ما آل اليه حالها ، في الوقت الذي تعلن فيه الدولة حرباً لا هوادة فيها على مخالفات البناء ، والتصدي بكل حسم لفساد المحليات ، الذي كان أهم أسباب تحول مدن وأحياء بالكامل لعشوائيات ، كما أن الرئيس السيسى لم يترك مناسبة خلال افتتاح أحد المشروعات القومية إلا ويؤكد على ضرورة تصدي كل أجهزة الدولة لظاهرة المخالفات والتعديات ، التي تهدم جهود الدولة في رفع مستوى معيشة المواطن وتحقيق رفاهيته ، حيث تسعى الدولة جاهدة لتحسين البيئة العمرانية بكافة المناطق ، لتحقيق المردود الاقتصادي والأجتماعي منها ضمن جهود التنمية الشاملة للدولة .
وما يحدث في حق مدينة الشيخ زايد صورة من صور فساد المحليات ، الذي أتى على مدن وأحياء بكاملها وجعلها تتحول من مدن حضارية الى أحياء عشوائية .
قد لا أبالغ اذا اتهمت مسؤولي جهاز تنمية المدينة بالفساد ، ولا يعني ذلك سباً وقذفاً في حقهم ، لأن الفساد لايعني فقط تلقي الرشاوي والهيبات لتحقيق مصالح فردية لأشخاص أو جماعات على حساب سيادة القانون ، وإنما – يعني أيضا – التراخي والتهاون في تنفيذ القانون ، والتغافل عن معاقبة المخالفين ، والتكاسل عن أداء مهام وظيفتهم في تعقب المخالفين ، ولذلك فإن السماح بتفشي الظواهر السلبية في المدينة هو الفساد الأكبر .
المشاهد المؤسفة في المدينة تبدأ من المدخل الرئيسي ، الذي تحول لموقف عشوائي للميكروباص وسيارات الأجرة ، علاوة على الانتظار العشوائي للسيارات أمام السوبر ماركت الشهير ، والذي يجعل الدخول والخروج للمدينة مهمة خطرة ، ولا يفوتك المشاجرات المتكررة بين سائقي السيرفيس ” سيارات النقل الداخلي بالمدينة ” وبين المواطنين على تعريفة الركوب ومخالفات خط السير ، في غياب رقابة حقيقية على تلك الفئة من السائقين ، الذين يتفننوا في اثارة غضب المواطنين بفرض زيادة في الأجرة ومخالفة خط السير بين الحين والآخر .
الجولة بالتأكيد ستجعلك تصطدم برؤية عدد من المشاهد التي لم تكن مألوفة من قبل في المدينة ، من بينها الانتشار لظاهرة للمتسولين والباعة الجائلين في كل الشوارع بلا استثناء ، وحتى أمام مبني جهاز تنمية المدينة ذاته ، في تحد سافر للقانون والقائمين عليه ، علاوة على المجمعات والأسواق التجارية التي لم تنجح حملات الجهاز – الصورية – في كبح جماح مخالفاتهم وتعدياتهم على املاك الدولة .
أكثر المشاهد التي لا تخطئها العين ، هو تدني مستوى النظافة في المدينة ، وانتشار المخلفات والقمامة في كل مكان ، لدرجة أنها زحفت على المسطحات الخضراء والتي طالتها هي الأخرى يد الإهمال ، فتصحرت تلك المسطحات الخضراء في جزر الشوارع الوسطى أما تلك التي بين العمارات السكنية فقد تحولت لخرابات .
أضف لذلك بلطجة السايس الذي بات واقعاً مفروضاً على المدينة برمتها ، بل ذهب البعض لابتكار حيل لممارسة بلطجتة في فرض إتاوته وبسط نفوذه في الشارع ، حيث قام بعضهم بتعليق لافتتات لتقنين وضعهم ، مدعين حصزلهم على تراخيص من الجهاز ، تحت مظلة إحدى الجميعات الخدمية ، وبالطبع لا أحد من السادة المسؤولين خرج ليعلن مدى صحة أو كذب تلك الادعاءات .
كل هذه قليل من كثير لكن المصيبة الأكبر في مخالفات البناء ، التي باتت ظاهرة في كافة أحياء المدينة ، ومن مظاهرها تحول البيزمنت أو البدروم لأنشطة تجارية ، أغلبها مغاسل سيارات ومقاهي وسط الأحياء السكنية ، وتحول البناء المخالف ” للروف ” لمكايدة لهيبة القانون ، أما البنايات الجديدة أصجت لا تعتد باشتراطات التراخيص سواء في إرتفاعات ‘ أو إرتدادات وأصبح الكل يبني على هواه ، ليختفي النسق العمراني للمدينة بفعل تلك الممارسات .
أما وقد أرهقتك الجولة في ربوع المدينة فإنه عليك أن تأخذ استراحة لتتابع منصات التواصل الاجتماعي ، التي تستطيع أن ترصد منها مدى السخط الذي يعاني منه السكان ، والممزوج بمشاعر الحسرة على ما آل اليه حال ميدنتهم ، حتى بعض المنصات التي يفرغ فيها السكان شحنات غضبهم ، وينشرون عليها مشاكل المدينة ، لا يلتفت لها أي مسؤول ويحاول جاهداً أن يحقق في شكواهم ، أويعمل على ازالتها ، وأكثرها تتعلق بالتقدير الجذافي لفواتير المياه ، أو تدني مستوى الخدمات بالمدينة ، وحتى أسعار السلع التي يبالغ التجار في رفع أسعارها على السكان ، بدعوى غلاء الإيجارات والمرافق وغيرها من الشكاوي.
الأمر برمته يحتاج إلى وقفه مع جهاز المدينة ، ليعاود مرة أخرى السيطرة على تلك التجاوزات والمخالفات ، كما يجب أن يعي أعضاء مجلس الأمناء أنهم بمجاملاتهم وصمتهم على تردي أوضاع المدينة ، شركاء في حالة التدهور التي تعيشها المدينة وتكبد عناءها المواطن .