مصر تعتمدعلى 98% من مواردها المائية من خارج الحدود
كتب /ايمن بحر
حديث قديم عن بيع مياه النيل عاد للواجهة بعدما بدأت بورصة وول ستريت الأميركية بتداول عقود آجلة للمياه إلى جانب الذهب والنفط وسلع أساسية أخرى بداية من ديسمبر الجاري وهي المرة الأولى لتداول المياه كسلعة في أحد البورصات.
ووفقًا لوكالة بلومبيرغ فإن هذه الخطوة جاءت مدفوعة بالأضرار التي أوقعتها حرائق الغابات في الساحل الغربي الأميركي، وبقصد حماية مستهلكي المياه الكبار مثل المزارعين وصناعة الطاقة الكهربائية من تقلبات أسعار المياه ومنحهم إمكانية التحوّط ضد أسعار المياه المرتفعة.
وبرغم ذلك لا تتوقف التخوفات من بيع مياه النيل خاصة مع تداول تصريحات إعلامية مفادها أن إثيوبيا تستعد لبيع المياه من بينها تصريح مُتلفز لوزير الري المصري الأسبق محمد علام قال فيه إن هدف إثيوبيا الخفي والحقيقي هو التحكم الكامل في مياه النيل الأزرق وبيعها، فهل يُحيي أول تداول رسمي لعقود المياه هذه المخاوف من جديد مع تأزم قضية سد النهضة.مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي لا يستبعد تماما سيناريو بيع المياه في المستقبل مؤكدا أنه قد أُشير في أوقات متفرقة عبر وسائل إعلام إثيوبية إلى مسألة بيع مياه النيل، لكنه لفت إلى أن هذا الأمر غير مطروح في هذه الآونة خاصة مع رفض مصر القاطع لمبدأ بيع المياه.
وأضاف هريدي قانون المجاري المائية يمنع دول المصب من حجز المياه عن أي دولة لافتًا إلى أن منطقة الشرق الأوسط لم تشهد من قبل مسألة تسعير وبيع المياه بشكل مباشر لكن في الثمانينيات عرضت تركيا توصيل المياه عبر أنابيب إلى دول بالخليج العربي أسمتها أنابيب السلام وكان الهدف منها تبادل المصالح وهي الفكرة الوحيدة الأقرب لمسألة لبيع المياه، لكنها لم تعد مطروحة الآن. على حد قوله.ويوضح هريدي أن التوترات في الشرق الأوسط سوف تدور حول محورين: المياه والطاقة وبالفعل المنطقة بدأت تدخل هذا الصراع كالذي يحدث في شرق المتوسط، أو أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا إضافة إلى تقديم سوريا شكوى مؤخرًا في مجلس الأمن ضد تركيا واتهامها بارتكاب جريمة حرب، بعد قطع المياه عن منطقة الحسكة.
وأكد الدبلومسي المصري أن “الحالة الوحيدة التي ربما تمكن إثيوبيا من بيع مياه النيل هي عند إنشاء ثلاث سدود يعتزم الإثيوبيون بنائهم في المستقبل وهنا قد يتمكنوا من التحكم في مياه النيل لكن حينها القانون الدولي لن يكون في صالح إثيوبيا
من جهته، فنّد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية عباس شراقي أطروحة بيع مياه النيل وقال إن في كل الحالات لا يمكن لإثيوبيا بيع المياه إلا لمصر خاصة أن السودان لديها مصادر أخرى للمياه، فحوالي 50% من مياها من خارج الحدود والمتبقي متوافر على أرضها أما مصر فتعتمد على 98% من مواردها المائية من خارج الحدود.
ويضيف شراقي : إذا افترضنا جدلًا أن إثيوبيا ستبيع المياه لمصر، فهل هناك إمكانية عملية لذلك؟ وللإجابة عن هذا السؤال سنجد أن الطريق الوحيد المتاح لذلك هو عن طريق سد النهضة، فهو الخزان الكبير الوحيد الذي تملكه إثيوبيا
ويستطرد: بعد اكتمال سد النهضة سيبدأ التخزين في بحيرة السد، التي تسع 74 مليار متر مكعب من المياه يتم تخزين حوالي 24 مليار متر مكعب تخزين ميت وهي المياه الموجودة تحت فتحات التوربينات، أما الكمية الموجودة أعلى الفتحات فهي المياه التي تمر من التوربينات وتأتي إلى مصر والسودان وقيمة هذه الكمية 50 مليار متر مكعب وإيراد النيل الأزرق السنوي 50 مليار وهو ما سيدفع إثيوبيا إلى تفريغ مخزون السد كل عام نظرًا لعدم كفاية مساحة تخزين البحيرة أمام الإيراد السنوي المتجدد.
ويوضح: إذا امتنعت مصر عن شراء المياه يمكنها الاعتماد على مخزون بحيرة ناصر التي تسع لـ 160 مليار متر مكعب وهي ما تساوي تقريبًا إيراد 3 سنوات من حصة مصر وفي المقابل إثيوبيا تكون مجبرة على فتح بوابات الخزان كل عام لاستقبال مياه الأمطار الجديدة في شهر يونيو ويوليو وإلا سيتعرض السد للإنهيار خاصة أنه لا يوجد أي طريق آخر لتخزين مياه السد. على حد قوله.
أما عن سيناريو إنشاء إثيوبيا لثلاثة سدود أخرى على النيل الأزرق إلى جانب سد النهضة فيقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية: إثيوبيا لديها مشروعات بإنشاء 29 سداً آخر هناك ثلاثة سدود منهم كبيرة وهم: سد ماندايا (40) وسد بيكوا أبو (30 مليار متر مكعب) كارادوبي (40 مليار متر مكعب) وسعة هذه السدود مع سد النهضة تصل إلى حوالي 200 مليار متر مكعب.
وأضاف هذه السدود يمكن أن تمثل مشكلة حقيقية على أمن مصر المائي في حال إذا تم بنائهم في وقت واحد لكن إذا حدث ذلك باعتبار أن هناك مدة بين إنشاء سد وآخر حوالي 10 سنوات فلن يكون هناك أي ضرر تتعرض له مصر.
ولفت إلى أن بناء السدود الأربعة في وقت واحد هو أمر غير ممكن من الناحية العملية خاصة أن موارد إثيوبيا المادية لا تساعد في ذلك وإذا حدث ذلك سيكون بمثابة إعلان حرب لا يمكن أن تفكر فيه إثيوبيا.
ويختم شراقي قائلا إذا كان هناك اتجاه عالمي لتسعير المياه فإن هذه الحالة لا تنطبق على مياه النيل وخاصة فيما يتعلق بالمياه الآتية من النيل الأزرق.