مع انه إعتراف خجول بقلم الإعلامي يوحنا عزمي
زلزال ضرب تركيا بعد اعتراف أمريكا رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن من قبل الدولة العثمانية
بقلم الإعلامي يوحنا عزمي
زلزال ضرب تركيا بعد اعتراف أمريكا رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن من قبل الدولة العثمانية ..
يوم كارثي بكل تأكيد حاولت تركيا منعه ما يقرب من قرن من الزمان وهو اعتراف أمريكا بمذبحة الأرمن التاريخية ..
أمريكا تقول إنه اعتراف لمنع حدوث ذلك في المستقبل دون فرض عقوبات .. لكن ومن يضمن ذلك لتركيا ؟
فرنسا أيضا تحيي هذه الذكرى الأليمة في كل عام وصل الأمر إلى تهديد تركيا بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إن فعلت فرنسا ومع ذلك تفعله باستمرار ..
روسيا كانت طرفا أساسيا كما سنرى بعد قليل ..
بريطانيا تحذو حذو أمريكا . لا يتبقى إلا الصين في الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لاستصدار قرار تاريخي بإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية وهو أمر ميسور جدا باستخدام سياسة العصا “العقوبات” والجزرة “الشراكات الاقتصادية” وإذا تم فسيكون سببا مباشرا لعودة تركيا إلى قرون التخلف مرة أخرى بسبب التعويضات المهولة التي يتوجب دفعها لأسر الضحايا ..
– فما تلك المذبحة .. وما حجمها .. وهل لمصر صلة بالموضوع ؟
يخطيء كثيرا من يظن أن تركيا تبحث في إعادة ما تسميه الخلافة الإسلامية .. فهي أول من يعلم أن السياق التاريخي لا يمكن أن يسمح بظهور هذه الكيانات مرة أخري ..
تركيا هدفها القديم الجديد الإنضمام للاتحاد الأوروبي فقط لكن الأوربيين خبثاء وضامنين لأن تكون تركيا تابعة لهم دون أن تكون عضوا في اتحادهم ..
فبكل تأكيد لن يقبلوا بوجود دولة إسلامية في اتحادهم ومع ذلك جعلوا الباب مواربا لها كي تظل باقية على هذا الأمل ومن ضمن سياسات العصا التي يظهرونها وقت اللزوم مذبحة الأرمن.
– فما تلك المذبحة ؟ ..
من المعترف به عالميا أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث .. الباحثون يشيرون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من عمليات قتل كان هدفها القضاء على العرق الأرمني من قبل الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني.
المجازر اتخذت شكل الترحيل القسري الذي كان عبارة عن مسيرات جماعية طويلة في ظروف قاسية للغاية مصممة بحيث تؤدي إلى وفاة المبعدين تلقائيا بسبب الجوع والعطش والبرد القارس ..
يقدر الباحثون أن أعداد الضحايا من الأرمن تتراوح ما بين المليون ومليون ونصف المليون فرد ..
هذه الجريمة هي أكبر عملية إبادة جماعية في العصر الحديث .. ويقال إنها أكبر مذبحة من هذا النوع في التاريخ الإنساني كله ، ارتكبتها تركيا في نهايات عهد الخلافة العثمانية ..
المهم أن تركيا أقرت بالمذبحة بعد أن ظلت تنكرها لعقود بعد ضغوط دولية شديدة .. اعترفت مؤخرا بأنها ارتكبت جرائم فقط بحق الأرمن ولكنها ترفض بشدة تعبير إبادة جماعية وتنكر أعداد الضحايا ..
جاء ذلك على لسان الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان الذي أجبر على تقديم التعازي إلى أحفاد ضحايا هذه المذبحة ممثلين في رئيس دولة أرمينيا المجاورة .. لكن أرمينيا لم تقبل الإعتذار وطالبت باعتراف تركي كامل ..
الجهود الدولية لم تتوقف في محاولة لانتزاع إعتراف تاريخي من تركيا بمسئوليتها المباشرة عن المذبحة المروعة أثمرت تلك الجهود عن صياغة وثيقة أممية سميت بوثيقة الإعتراف “20 دولة وقعت بالفعل” وتنتظر توقيع مصر ..
– وسنعرف بعد قليل أهمية أن توقع مصر ..
– نظرة تاريخية عن المذبحة والدوافع التي أدت إلى ارتكابها
الأرمن عرق مسيحي كطوائف السريان والكلدان والآشوريين .. عاشوا في الإمارة التركية منذ القرن الحادي عشر واستمروا بها حتي قيام الإمبراطورية العثمانية التي اعترفت بهم وبديانتهم وبكامل حقوقهم كمواطنين ضمن المجتمع التركي ..
عاشوا في سلام وهدوء حتي إنهم كانوا يلقبون “بالأمة المخلصة” .. كانوا يعاملون بقوانين الشريعة الإسلامية تجاه أهل الذمة حيث لا يجندون مقابل دفع الجزية .. وسمح لهم أيضا بالعمل بقوانينهم الخاصة التي تحكمهم فيما بينهم ..
إلا أنه إذا وقع الخلاف بين ارمني ومسلم يحتكم إلى القانون المستخدم وهو الشريعة الإسلامية لفض النزاع ..
عملوا في التجارة والزراعة وانخرطوا في المجتمع حتي إن بعضهم تولوا مراكز رفيعة في حكومة الدولة العثمانية ..
كان منهم الأعيان والوزراء والمستشارون والمديرون والنواب .. لكن عندما أرادت روسيا مهاجمة وتفتيت الدولة العثمانية التي كانت قد ضعفت بالفعل في ذلك الوقت قامت بتحريض وتأليب الأرمن الروس المقيمين علي الحدود الروسية العثمانية وامدادهم بالمال والسلاح وتدريبهم عليه في أراضيها وتكوين جماعات مسلحة مثل “خنجاق”
و “طاشاناق” ..
وبالمثل قدمت بريطانيا العظمي المساعدات لتلك الجماعات حيث انها كانت تطمح بدورها في تفتيت الدولة العثمانية . كان ذلك في حكم السلطان عبد الحميد الثاني ..
بعدها مباشرة قررت تركيا الإنتقام .. فبدأت وقائع المذبحة الرهيبة سنة 1915 قبل أن تنتهي الحرب العالمية الأولى ..
الحجة كانت تمرد الأرمن ورفعهم السلاح في وجه الدولة العثمانية .. لكن الرد العثماني فاق كل الحدود والأعراف إلى درجة وصفته أنه أسوأ إبادة جماعية لعرق بشري على الإطلاق ..
كانت القوافل التي يهجرها الجيش العثماني تسير مشيا علي الأقدام في ظروف صعبة مناخيا وبدون طعام أو ماء حتي أنه كان يسقط منهم اعداد كبيرة جدا من شدة الجوع والبرد القارس ..
المذابح كانت تتم بطريقة وحشية للغاية بغض النظر عن السن أو الجنس إلى جانب اغتصاب النساء وتجميع الرجال
وقتلهم في الصحراء رميا بالرصاص ..
تفرق الأرمن بعدها في عدة دول منها العراق وسوريا ولبنان
ومصر .. ظلوا يعيشون بها حتي الآن نتيجة هذا الشتات ..
تجدهم حريصين علي لغتهم وأعيادهم وعاداتهم رغم انخراطهم التام في تلك البلدان . ويعتبر يوم 24 ابريل هو يوم ذكري هذه المذابح لأنه يوافق اليوم الذي اقتيد فيه اكثر من 2500 أرمني من أعيان اسطنبول إلى السجن ثم قتلهم
والاستيلاء علي املاكهم ..
تنكر تركيا هذه المذبحة وهذا العدد الهائل من القتلي وتقول إن من قتل 10 آلاف فقط وأن سبب وفاتهم لم تكن مذابح بل كان بسبب ظروف الحرب والتهجير .. لكن الوثائق الخاصة بهذه المذابح تكذبها وتدينها بشكل قاطع ..
فبعد الضغوط الشديدة وإظهارعدد من تلك الوثائق اضطر اردوغان للاعتراف بالمذبحة لكنه ينكر أعداد الضحايا والطريقة البشعة التي اتبعت في قتلهم ..
– لماذا مصر ؟ ..
يقول المحللون إن اعتراف مصر تحديدا بالمذبحة المروعة سيكون بمثابة كارثة على تركيا التي ستضطر في حال ثبوت تلك الجريمة إلى دفع مليارات الدولارات كتعويض للأرمن وهو ما سيشكل ضربة قاصمة للاقتصاد التركي ..
أما لماذا مصر فلأنها أول من استقبلت أكبر دفعة من اللاجئين الفارين منهم بواسطة السفن الفرنسية في ميناء بورسعيد “4500 أرمني” ومعهم آلاف الوثائق التي تثبت جريمة تركيا بشكل بشع ..
هذه الوثائق ظلت محفوظة في المجمع العلمي وأشك أن جريمة إحراقه خلال ثورة يناير كان لها ارتباط بهذا الحدث .. خصوصا أن ميدان التحرير وقتها كان مرتعا لكل مخابرات العالم ومنها التركية دون جدال ! .. به ما يصل إلى 5 آلاف وثيقة تتضمن صور واعترافات من مسؤولين بالدولة العثمانية وحكومة الاتحاد والترقي التي كانت تحكم تركيا في نهاية حكم الدولة العثمانية حول المذابح التاريخية التي ارتكبت في حق الأرمن ..
هذه الوثائق تحمل إدانات مباشرة لتركيا حيث تشمل على شهادات من أفراد عايشوا تلك المذابح إضافة إلى صور للمقابر الجماعية التي تم تنفيذها في تلك السنوات ..
هذا سر العداء الشديد من قبل تركيا ضد ثورة 30 يونيو وقائدها بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من ضمان وجود مصر إلى جانبها في ظل حكم الإخوان ..
المؤكد أن تركيا كانت سترتكب حماقة كبرى إن لم تقدر حجم وثقل مصر جيدا.