بنك مصر
بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
البنك الاهلى المصرى
مقالات

نقطة فاصلة .. بقلم | أحمد الوحش

غربٌ ننبهر بتقدمه العلمي وقوته العسكرية، تعلو أصوات منابرهم بأنهم أهل الحضارة والتاريخ والثقافة، نركب سياراتهم ونشاهد تلفازهم ونعتمد على اختراعاتهم، ونسأل أنفسنا قائلين “لو لم يكن الغرب كيف سيكون حالنا؟”…

توقف للحظة، ولا تظلم هويتك العربية بمثل هذه الأسئلة، بل إن لي سؤالاً أوجهه إليك قبل أن تستمر في القراءة وطرح المزيد من الأسئلة، هل قرأت تاريخك العربي جيداً؟

لم يكن هناك منابر للغرب؛ ليُسمع لها صوتٌ حين كان للمنبر العربي الكلمة العليا، أين كان الغرب -الذي حرَّمت كنائسه علاج المرضى- حتى القرن الثاني عشر الميلادي؟ لقد كانوا في عصورهم الوسطى المظلمة، بينما كان العرب في أوج العصر الذهبي للإسلام، حيث جرى البحث العلمي جنبًا إلى جنب مع منهجية وتفكير الدين الإسلامي في شتى المجالات.
من؟ … وأين؟ … ومتى؟ … وكيف؟

الإجابة في كلمة واحدة هي العرب، لقد أخذ الغربي النقطة من العربي، كانت هذه النقطة نهاية لهيمنة العرب في شتى المجالات، واستخدمها الآخرون أساساً لتَقَدُّمِهِم؛ ليصبحوا “الغرب” كما نعرفه الآن…
تعال واركب معي آلة العودة بالزمن؛ لنرى بعض النماذج العربية في الطب، لنعد إلى القرن التاسع الميلادي.

انظر إلى ذلك الرجل الجالس هناك المنكب على كتابٍ حتى أصبح ظهره منحنياً، ألم تعرفه بعد؟
إنه أبو بكر الرازي طبيب وفيلسوف وكيميائي وعالم في الرياضيات، لكنه تَمَيَّز في مجال الطب عن سائر المجالات، ألَّف كتاب الحاوي في الطب، والذي ترجمه الأوروبيون واعتمدوه كمرجع أساسي لهم قرابة أربعة قرونٍ، وأُعِيدَ طبعه بالإيطالية مرات عديدة، وقد استحق لقب “أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق” و “أبو الطب الحديث”.

لنتقدم بضعة سنوات للأمام، أترى ذاك المنهمك بالكتابة هناك ويرتدي جلباباً؟ إنه ابن سينا الطبيب العربي الشهير -الذي يتغنى به الغرب- ألم تسمع بمقولة “إن الطب كان معدوماً فأوجده أبقراط، وكان ميتاً فأحياه جالينوس، وكان متفرقاً فجمعه الرازي، وكان ناقصاً فأكمله ابن سينا”؟
هل تعلم أن كُتُبَ ابن سينا ظلت تدرس في الجامعات الغربية حتى القرن السادس عشر؟

لنذهب إلى عصر ابن النفيس -أحد أعمدة الطب العربي- ومكتشف الدورة الدموية الصغرى، لقد استعان ويليام هارفي بكتاباته في شرح الدورة الدموية الكبرى.
يوجد الكثير من علماء العرب المتميزين في الطب، قد ذكرت لك بعضهم ولا زال هناك الكثير…

علينا استغلال الفرصة فالعودة في الزمن لا تتكرر مرتين، هيا لنطمئن على الخوارزمي ونتفقد أحواله…
تراه دائماً ممسكاً بقلم وقرطاس، إن عالمنا الجليل أعظم علماء البشرية في علم الرياضيات ومؤسس علم الجبر، وقد تُرجِمَت كتاباته لعدة لغات، انظر إلى التكنولوجيا وعلم الحاسوب والبرمجيات أليس كل ذلك نتاج الخوارزميات؟ كيف سيكون العالم بدون الصفر؟

سأبرمج الآلة؛ لنعود إلى يومٍ محددٍ في عام ٣٦٢ه‍، لا تتعجب أننا نقف أمام رضيع قد ولدته أمه للتو، يختلف الأمر حينما تلد امرأة رجلاً غير اعتيادي، إن هذا الرضيع الذي يبكي أمامك هو أبو الرَّيحان البيروني، سيكون بعد بضعة عقودٍ أحد أكبر المؤرخين وعلماء الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية في عصره، سيكون له مكانة مرموقة في بلاط الخلافة العباسية، فهو مؤسس علم الهنديات، وقد درس عادات الهند وتقاليدهم ولغاتهم.

أتود رؤية بعض من الأساطير اليونانية تتساقط كأوراق ذابلة في الخريف؟ لقد ظنوا أن المعادن المنطرقة النفيسة أو الرخيصة جميعهم من نوع واحد، كانت الكيمياء بالنسبة إليهم نظرية العناصر الأربعة..
لم يعجب ميراث الإغريق العلماء العرب والمسلمون، فقاموا بدراساتٍ عملية مبنية على المنهج التجريبي، فاكتشف العرب كثير من المواد والتفاعلات الكيميائية، ويرجع الفضل لعلماء المسلمين في اكتشاف عمليات التقطير والترشيح والتبلور…إلخ

انظر عن يمينك، إنه جابر بن حيان الكيميائي العربي الشهير، هيا نتبعه لربما نرى بعض الانفجارات في معمله، انظر لهذا الإناء الذي يحتوي على سائل ذهبي، إنه أول من استحضر ماء الذهب وفصل الذهب عن الفضة، واكتشف الصودا الكاوية وحمض الهيدروكلوريك والزئبق…إلخ، وشرح كيفية تحضير الزرنيخ والأنتيمون.
أترى هذا الجهاز الزجاجي ذو القمع الطويل على تلك المنضدة الخشبية؟ إنه “الأنبيق” لقد قرأت كثيراً عنه في الكتب الغربية، أول جهاز تقطير في العالم.
ما هذا الورق غريب اللون؟ … هل لديك قداحة؟ هاتها … إنه لا يشتعل! بالتأكيد هذا هو الورق الغير قابل للاشتعال الذي صنعه جابر في معمله.

لنعود إلى حصار مدينه سرقسطة ٥١١ هجرياً، حيث استخدم الأندلسيون أول مدفع في التاريخ، ومن المعروف أن أول من استخدم البنادق والمسدسات والقنابل اليدوية هم العرب، وكانوا يطلقون على البنادق “القربينة”.
لكن في القرن الرابع عشر حين سقطت غرناطة، وقعت القربينة في يد الأسبان، فاستخدموها في القضاء على الهنود الحمر.

هناك الكثير من الاختراعات العربية الهامة، لكن من الواضح أن آلتنا بحاجة إلى الراحة، لقد ترك العرب بصمة واضحة في تقدم البشرية، ولا زال كثير من العلماء العرب -حتى يومنا هذا- يقدمون أكثر وأكثر، وخير مثالٍ دكتور أحمد زويل -رحمه الله-، ابتكر نظام تصوير سريع جداً بالليزر “الفيمتوثانية”، وحاز على جائزة نوبل بهذا الاختراع، وله مئات الأبحاث العلمية المنشورة في أكبر المجلات العلمية، وقد صُنِفَ زويل التاسع من أفضل ٢٩ عالماً في تاريخ أمريكا، ربما لم تعد وتيرة التقدم العربي متسارعة كالسابق لكن لازال الأمل موجوداً…

ولا أنكر فضل الغرب على العالم خاصةً بعد القرن السادس عشر، وأعترف بتقدمهم العلمي وقوتهم، لكن اعلم أنها سنة الحياة، فكما لم يكن الغربي وأصبح اليوم، وكان العربي ودارت عجلة التاريخ فأمسى، سنصبح غداً ونعود من جديد…
سيتهمني البعض أن كلامي محضُ تنميةٍ بشريةٍ، وأن ذلك بعيد كل البعد عن أمتنا العربية.

عزيزي الطبيب العربي، هل ما ندرسه يختلف عما يدرسوه من العلوم الطبية؟ لا، الطب واحدٌ في كل أنحاء العالم.
وأنتم أيها المهندسون من المحيط إلى الخليج، أتُقَدَرُ “ط أو π” في وطننا العربي بـ”٣,١٤” وفي أوروبا بـ”٣”؟
إلى كل مصري وعربي، إن العلم الغربي متاحٌ على الإنترنت، كما كان العلم العربي متاحاً في جامعاتهم حتى أواخر القرن السادس عشر.
نعم لقد تأخر العرب، لكن لا تَلُمْ الهوية العربية، بل علينا أن نلوم أنفسنا على التفريط فيها، ونعمل جاهدين؛ لنستعيد مكانتنا من جديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى