هل تلفظ جريدة “الوطن” الشهيرة أنفاسها الأخيرة؟
كتب / هيثم إسلام
الإعلام في الجزائر: هل تلفظ جريدة “الوطن” الشهيرة أنفاسها الأخيرة؟
باتت بعض الجرائد في الجزائر، وعلى رأسها صحيفة “الوطن” التي يشلها إضراب، في نفق مظلم تعززه الضغوطات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها منذ سنوات. فهل ستواصل السلطات الجزائرية استخدام سلاح “الإعلانات” من أجل إسكات هذه الأصوات العريقة؟ وما مستقبل الإعلام في الجزائر في ضوء التغييرات التي أفرزها الحراك الشعبي ووصول مسؤولين جدد إلى السلطة؟
تمر الصحافة الجزائرية الخاصة بفترة عصيبة. فبعدما أرغمت العديد من الجرائد التي أسست بعد الانفتاح الديمقراطي في تسعينيات القرن الماضي على التوقف عن الصدور، مثل جريدة “لوماتان” (الصباح) التي تصدر بالفرنسية في عهد الرئيس المتوفى عبد العزيز بوتفليقة الذي زج بمديرها محمد بن شيكو في السجن لأكثر من عام بسبب نشره لكتاب تضمن انتقادات بحقه، جاء دور جريدة “لا ليبيرتي” (الحرية) التي كان يملكها رجل الأعمال الثري أسعد ربراب بغلق أبوابها في 14 أبريل/نيسان 2022 لأسباب “مالية واقتصادية”.
الغياب النهائي لهذه الصحيفة كان بمثابة صدمة كبيرة للقراء الجزائريين الذين تعودوا عليها لمدة ثلاثين عاما تقريبا. فيما حاول موظفو هذه الجريدة الخاصة شراء أسهم الشركة، إلا أن مالكها الأصلي رفض هذا المقترح لأسباب وصفها البعض بـ “السياسية”.
ولم تنته بعد صدمة اختفاء يومية “لا ليبيرتي” من المشهد الإعلامي الجزائري حتى جاءت صدمة أخرى لتهز عالم الصحافة. حيث دخلت جريدة “الوطن” التي تصدر بالفرنسية نفقا مظلما بسبب نقص الموارد المالية التي تجنيها عبر الإعلانات. هذه العوائد المالية تقلصت منذ زمن الرئيس بوتفليقة الذي أمر “الوكالة الوطنية للنشر والإشهار”، وهي وكالة عمومية تقوم بتوزيع المساحات الإعلانية الخاصة بالإعلام الجزائري، بعدم منح مساحات لبعض الجرائد “الناقدة” منها جريدة “الوطن”.
إضراب عن العمل لمدة يومين لكنه قابل للتجديد
كما هدد أيضا الرئيس الجزائري السابق الشركات العمومية والخاصة – جزائرية كانت أم أجنبية- لتتوقف وتمتنع عن شراء مساحات إعلانية على صفحات جريدة “الوطن” بسبب خطها التحريري “المستقل”، لتتأثر رويدا رويدا بهذا القرار إلى درجة أنها تسير هي الأخرى اليوم نحو الخروج من المشهد الإعلامي الجزائري.
وتعد جريدة “الوطن” الصادرة باللغة الفرنسية، من بين أرقى الجرائد التي ظهرت في الجزائر عام 1990. وهي صحيفة تهتم بالقضايا الدولية ومن قرائها العديد من الدبلوماسيين الأجانب في الجزائر، حتى أن البعض يلقبها بـ “لوموند” الجزائرية.
وأمام تهديد بالتوقف عن الصدور، نظم موظفو وصحفيو هذه الجريدة إضرابا عن العمل لمدة يومين قابل للتجديد (الأربعاء والخميس) لا سيما أنهم لم يتقاضوا رواتبهم لمدة خمسة أشهر كاملة. وهو ما أضر بوضعهم المالي والاجتماعي وجعل الاستمرار على هذه الصورة أمرا صعبا للغاية.
وفي مقال نشر على الصفحة الأولى للجريدة الثلاثاء، دق مجلس إدارة “الوطن” ناقوس الخطر بشأن الوضع المالي “الحرج” الذي تمر به الجريدة، مشيرا إلى أن موظفي الصحيفة (عددهم يبلغ مئة وخمسون شخصا) قرروا تنظيم إضراب لمدة يومين للمطالبة بدفع أجورهم.
خمسة أشهر كاملة بدون أجور
وحذر المجلس أن “أمد الأزمة قد يطول بسبب عدم توفر أي حل في الأفق قد يخفف الاختناق المالي الذي تمر به الشركة” منتقدا في الوقت نفسه قرار أحد البنوك الجزائرية (بنك القرض الشعبي الجزائري) “تجميد حسابات الشركة رغم المحاولات المستمرة لإيجاد حل لهذه المشكلة”. كما أثنى مجلس الإدارة لجريدة “الوطن” على “الصبر” و”التفاني” اللذين أبداهما موظفو الصحيفة” منذ أشهر، موضحا أن “جميع النداءات التي أطلقها تجاه السلطات العمومية بالجزائر من أجل النجدة لم تلق أذانا صاغية”.
واتصلنا بأحد الصحافيين في اليومية، الذي فضل التحفظ على هويته، وقال إن “جوا من الحزن بات يسود في أروقة الجريدة”.
وأضاف: “لقد تبادرت في أذهاننا كل السيناريوهات لنهاية جريدة عريقة مثل “الوطن” عدا أن تغلق أبوابها لأسباب مالية”، مشيرا أن “الصحافيين أبدوا تفهما كبيرا للوضع وقبلوا بعدم تقاضي أجورهم لمدة خمسة أشهر كاملة، لكن للصبر حدود”. كما نقد نفس الصحافي ملاك الشركة وأشار إلى “تسييرهم غير المحكم خلال سنوات عديدة، ما أدى إلى تراكم الديون على الجريدة”.
وتابع بقوله “صحفيو وموظفو “الوطن” قاموا بالإضراب بدون قناعة كونهم يحبون هذه الجريدة ويعملون من أجلها منذ سنين. لكن بعد انتظار طويل، لم يسع ملاكها لحل الأزمة، لذا قرروا التوقف عن العمل”. وأنهى قائلا “سوف تتخذ مبادرات أخرى ابتداء من الأسبوع المقبل في حال لم يتم دفع الأجور”.
مدير “الوطن” يتهم مديرية الضرائب والبنك الذي يتعامل معه
من جهته، وفي بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أكد الفرع النقابي التابع لجريدة “الوطن” أن “صحافيي الجريدة ظلوا خمسة أشهر بدون أن يتقاضوا رواتبهم. خمسة أشهر فضلوا الاستمرار في العمل من أجل صدور الجريدة وعدم حرمان القراء منها وحافظوا على جو وظيفي هادئ”.