ونحن في العاشر من رمضان
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن وهو شهر الصدقة والإطعام والعبادات الكثيرة، وإن شهر رمضان المبارك أيضا هو شهر الانتصارات، وشهر العزة والكرامة ، وإن الله عز وجل اختص شهر رمضان بالعديد من الفضائل منها أنه شهر القرآن وشهر الرحمة والإحسان، وشهر الانتصارات والفتوحات .
فما من غزوة من الغزوات ولا معركة من المعارك التى خاضها المسلمون في هذا الشهر إلا وقد من الله عليهم فيها بالنصر والغلبة والتمكين ، فقد جعل الله عز وجل شهر رمضان شهر ميلاد الأمة الإسلامية، حين أضاء وحي السماء ظلمات الأرض، وبدد نور الهداية ظلمات الشرك والجاهلية والخرافة، فكان رمضان عهدا جديدا استقبلت به البشرية خير رسل الله وآخر رسالات السماء .
فكان رمضان نقطة تحول في مسيرة البشرية بنزول القرآن؛ كان انتصارًا للنور على الظلام، والحق على الباطل، والتوحيد على الشرك، والطهارة والنقاء على الفحش والعهر ، ومن فضائل هذا الشهر العظيم أن الله عز وجل قد جعله شهر النصر والحسم في مواقف كثيرة؛ فإن هذا الشهر قد وقعت فيه العديد من الأحداث العظام والمواقف الجسام التي مثلت تحولا كبيرا في حياة الأمة، فمعاني الانتصارات وأبجديات العزة وأصول الكرامة قد تجسدت في شهر رمضان الكريم .
وأن الله عز وجل أيد المسلمين بالنصر في غزوة بدر التى تعتبر أول معركة فاصلة بين الحق والباطل، وفى هذا الشهر تم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة بعد أن غدر قريش وحلفائها من بنى بكر بحلفاء الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من بنى خزاعة، حيث هجموا عليهم ليلا وقتلوهم ركعا وسجدا، فنهض النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون لنجدتهم.
وقد تغير حال المسلمون تماما بعد موقعة بدر، فبعد بدر أصبحت للمسلمين دولة معترف بها، وأصبحت لهم شوكة قوية ومكانة ووضع مستقر ، وانتقل المسلمون إلى مرحلة جديدة، والعالم كله سمع عن هذه الدولة، فاليهود رعبوا، والمشركون انهزموا، والمنافقون ظهروا ، فهو تغير هائل بدأ يحدث في الأرض في كل شيء .
وكانت غزوة بدر ليست كأي غزوة، فهي غيرت مجرى التاريخ ، لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، وربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائما في هذا الشهر الكريم ، فمَن مِن المسلمين لا يعرف أنها كانت فيه؟ فهى حُفرت في وجدان كل صغير وكبير، وفي وجدان كل رجل وامرأة، ويجب أن نتذكر علاقتها برمضان دائما .
وإن المتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي سيجد أمورا عجيبة، هذه الأمور ليست مصادفة، وكل شيء عند الله عز وجل بمقدار، سيجد أن المسلمين ينتقلون كثيرا من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، ومن ذلٍ إلى عزة ومن ضيق إلى سعة ،وقد ارتبط شهر رمضان بالجهاد والنصر .
ورمضان شهر الجهاد، وليس فيه تعطيل للقتال، ولا توجد به راحة للمؤمن، بل على العكس، عندما انطلق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالجيش فى فتح مكه ، وعندما اقترب من مكة، وكان صائما وكان الصحابة كلهم صائمين معه، قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت.
فماذا فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ هل أخَّر الصيام، أم أخَّر الجهاد؟ لقد “دعا بقدح من ماء بعد العصر ، فتخيل أن اليوم قد أوشك على الانتهاء ومع ذلك يرسخ معنى فى غاية الأهميه فى قلوب المسلمين ، إذ شرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم .
وفى هذا الشهر كانت معركة عين جالوت في الخامس والعشرين من رمضان عام ستمائه وثمانيه وخمسين هجرية وفيها استطاع الجيش المصري بقيادة سيف الدين قطز أن يوقف زحف التتار بعدما اجتاحت جيوشهم معظم دول العالم الإسلامي ، فإن شهر رمضان لم يشرعه الله عز وجل للقعود والتخلف عن ركب الجهاد والحركة والدعوة إلى الله .
ولم يشرعه كذلك للتحجج به عن التفلت من الالتزامات الوظيفية أو الاجتماعية، بل إنه شهر نشاط وحركة، وفتوحات وانتصارات، فغالبية الهزائم التي لحقت بالشرك وأهله على أيدي المسلمين كانت في شهر رمضان المبارك، وهذا كاف لأن ينفض عنا غبار الكسل والدعة والخمول.
وفى هذا الشهر أيضا كانت حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام الف وتسعمائه وثلاثه وسبعين ميلادى، التى وفق الله قواتنا المسلحة في تحطيم أسطورة الجيش الذى كان يزعم أنه لا يقهر، ووجهت إليه ضربة أفقدته صوابه وكبحت كبرياءه، وأجبرت العالم كله على احترام مصر وقواتها المسلحة .
ولنعلم أن الذى انتصر فى حرب أكتوبر هو كلمة التوحيد، التى هزت أرجاء المعركة، وأن الله عز وجل أكرم المسلمين بهذا الانتصار العظيم لأنه كان انتصار حق على باطل، وأن لله يقف بجانب عباده المؤمنون فى حاله صدق إيمانهم، وسعيهم للخير ، فرمضان شهر الإخلاص بلا منازع .
وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص .