تتنوع حالات الرغبة في الكتابة بما يتلائم مع الحالة النفسية والمزاجية أو حين تقتحمك فكرة جديدة أو حدث من الأحداث .. وترجع معاناة الكاتب في البحث عما هو غير مألوف أو معتاد ورغبته في طرق ماهو جديد حتى لايكون غيره .. وغالبا ما تأتيني فكرة الكتابة للخروج من حالة التزاحم والتراكم والثقل والملل فتكون بمثابة الهواء الذي أتنفسه , فإذا كانت الفكرة جديدة بناءة مبتكرة فهي كالهواء النقي الذي تتسع له رئتاك وتبث في نفسك حالة من الحيوية والنشاط وتجدد العمر , أما إذا كانت الفكرة مكررة متداولة وطرق بابها ألف كاتب فإنها تكون كالهواء الملوث الذي يؤلم صدرك ويثقل عقلك ويضيق بها قلبك ويكبل قلمك. أجمل ماتكتبه هو مالم تكن فكرته في حسابات عقلك , حين تغزو عقلك فكرة وتقتحمك فجأة . وأصفى وأنقى الأفكار هي ما تتسلل إليك مابين اليقظة والنوم .. فكثير مما كتبت كان وليد ما بين الحالتين , أجدني في تلك اللحظة أثب وثبا وأسارع متلهفا إلي القلم وتحيط به أصابعي في صورة احتضان العاشقين خوفا أن تضيع الفكرة إذا غلبني النوم .. ومع ضرورة النوم إلا أنه عندي كالضيف الثقيل , أكرهه منذ الصغر أغيب مع غيبته وأنطفئ مع ظلامه وأهرب دائما من سكونه الذي يفقدك الحركة والحياة .. كثير من الأفكار ضاعت وماتت مع نوم أصحابها , فمع إمساكة القلم كأنك بعثت فيه الروح وصار كائنا حيا يعدو ويجري على الصفحات , وبه يبدأ نهار جديد حتى و أنت في عتمة الليل . الكتابة نور يشعرك بجمال الحياة وعبثها في نفس الوقت , معها تشعر بيقظة العقل وتنتابك آلاف من التساؤلات وإجابات متناثرة وفضاء ممتد . الكتابة هي القوة الخفية الخارقة التي تكسر ظلام الليل وتحوله نهارا مشرقا , هي وقود العقل الذي يحركه ويمنحه الطاقة والحركة . الكتابة هي الثقافة بكل فنونها وأنواعها . يتوقف القلب إذا توقفت ويتجمد العقل حين تتجمد وتضمر ثقافة أمة إذا توقف قلمها .. الكتابة عندي ليست سلعة تخضع لقانون العرض والطلب , هي ذلك الفن الإنساني الوحيد الذي يحافظ على خاصية الدهشة والتأمل في هذا العالم الاعتيادي الممل .