تصنيع محمد صلاح محليا
تصنيع محمد صلاح محليا
بقلم : على امبابي
مفهوم “صناعة النجم” بالاستثمار المباشر فى المواهب، وتصميم صناعة متكاملة لتحويل بذرة الموهبة لشجرة إنجازات ومنتجات، تحقق عوائد معنوية ومادية خرافيه ،صناعة النجم تصمم على موهبة، هدف، التزام، تدريب، انضباط، إمكانيات مادية، توعية، فريق عمل، موضوعية الأهداف، تأهيل نفسى، وغيرها من المواد الأولية التى يستخرجها المُصنع من الموهبة التى تتجاوز القدرة والمهارة.
فصناعة مواطن صالح هى أسمى وأخطر وأصعب هدف للدولة. وإذا كانت القاعدة القانونية عامة مجردة، تخاطب الجميع، بغض النظر عن دين أو لون أو جنس، فإن ما يشترك فيه الجميع بجانب القاعدة القانونية هو التعليم والدين والإعلام ،وهو ما أحب تسميته بمثلث الوعي المجتمعي ، فصحة وتحديث وموضوعية وانضباط ووعى زوايا هذا المثلث، هى المصنع الذى ينصهر بداخله، ويتشكل منه فكر وسلوك ووعى المواطن، ليكون تعبيره وسلوكه وتفاعله بالمجتمع هو المنتج النهائى الذى حولته له هذه الصناعة.
وللتوضيح أكثر، انظر للمواطن المصرى كمنتج نهائى تتقاذفه زوايا مثلث الوعي ، لاحظ منتجات المواطن كأب وأم وطالب ومدرس وطبيب وقاضٍ وضابط ومحامٍ وفنان ومهندس ورجل أعمال وإعلامى ومقاول وسياسى ورجل دين، وأضف لهم أى صفة أو وظيفة أو عمل لمواطن يقدم منتجه للمجتمع. الشكوى من سرعة التناسل والجهل والعنف والسطحية والسلبية والتميع والفجاجة والفقر والازدراء والجريمة ، إنما هى شكوى من منتجات نهائية لوجود مواطن فشلنا فى تصنيع صلاحه.
فرق كبير بين النجم والمواطن الصالح، فكثيرًا ما تتمخض صناعة نجم خاص عن إنتاج فشلة عموميين، جراء تقليد شكل نتائجه لا مراحل صناعته! فتتحول منتجات قوة البعض فى الأفلام لبلطجة، أو إكسسوارات أو ملابس أو سلوكيات أو لغة ومصطلحات سلبية. النجم الآن من يتصدر التريند بكل غريب أو شاذ أو طفرة أو غير مألوف تحقيقًا لكسب يتعامى عن الأضرار، وهذا ليس بصلاح بأى حال، ولكن للأسف تأثيره ينطبع بغيره دون إصلاح.
الصالح الحقيقى خلفه مؤسسة مؤمنة به، وبقيمته المضافة التى تميزه مجتمعيًا، فيكون قدوة، ومراجعة عين مسيخنا الدجال الشهير بالتلفزيون والفضائيات والسوشيال ميديا، تجعلنا نطالع زخمًا من نجوم الفشل المتألقين جهلًا وطلاحًا يغزو أجيالًا، بدعوة التجديد والحداثة وصعوبة الحال وطلب السوق. فالمحصلة معاناة الدولة لوجود مواطن هش تعليمًا ودينًا وعملًا ووعيًا. فهل هذا هو المواطن المستحق لإنجازات رؤية 2030 ويهيأ لدخول الجمهورية الجديدة؟
إن صناعة مواطن صالح يثمر إصلاحًا لغيره فيكون مجتمعًا صالحًا، تحتاج منهجية كاملة من الدولة لضبط زوايا وعيه؛ التعليم والدين والاعلام، بالتجديد والموضوعية والتوعية تضافرًا لتصنيع منتج واحد صالح. لا مجال للحديث عن مواطن صالح دون توفير مقومات صلاحه بالاستثمار المتدرج والحقيقى فى مكوناته الثلاثة. أغلب القيم المصرية الدولية الشهيرة صناعة غربية، التزمت بالتعليم والحيادية الدينية وضوابط الصورة الذهنية الصحية، والتدريب الحديث، ليأتى اندماج المواطن المصرى وسط بيئة صحية، مكملًا لبرنامج تطويره فيثمر. كثيرًا ما ينعى الناجحون غربيًا على فساد التدريب المصرى والمنافسة الموجهة والمحسوبيات المتبادلة وحالات تدخل التوجه الدينى فى منح الفرص ومحدودية التعليم فى تنمية المواهب إلخ.
تصنيع محمد صلاح محليًا يحتاج لتطوير المواد الأولية لوعى المواطن، وإعادة النظر له كأصل من أصول الدولة الجديدة، وما مبادرة إعادة بناء الإنسان المصرى إلا واحدة من رؤى القيادة نحو إصلاح المجتمع. المواطن والمجتمع المصرى عام 1973، مختلف كليًا عن المرحلة الحالية، المنتجة لمواطنين شعثاء فكريًا ودينيًا وتعليميًا. إن استمرار الدولة فى التعمير العمرانى، لمنتجات مقوضة من مواطن محاصر، سيجعل الوطأة قاسية فى المستقبل القريب عند إفاقة الاحتياج لمواطن صالح. اللهم إلا لو اكتفينا بتصدير المهارات للغرب ثم نتغنى بمصريتها .
لصناعة المجتمعات متخصصون وعلماء يتمنون الفرصة لبزوغ عهدهم، ولكن مع حرج المرحلة والضغوط والتحديات والمديونيات والاختراق والفقر والسعى لتأمين الهيمنة وتشتت محاولات إصلاح التعليم والدين وضعف الإعلام وسيطرة قوانين مشبوهة، فاستمرار منتجات المواطن الحالى مضمونة بذات المخرجات، والاقتراب من مجتمع صالح ما زال بعيدًا. ومن الظلم تكليف الدولة بإصلاح المجتمع أسوة بخطوات التنمية العمرانية ،فالأخيرة تخضع لعمليات التصنيع والصناعة المحسومة علمًا وعملًا، أما تصنيع المجتمع الصالح فمحوره المناشدة لا التكليف، مناشدة إصلاح التعليم والدين والإعلام من خلال رسالاتهم وأدواتهم ومناهجهم ورموزهم ومنتجاتهم، التى تخاطب الحواس الخمس، وتسيطر عليها وتتلاعب بها.
الاكتفاء والاعتزاز بانتصارات محمد صلاح وغيره لا ولن يصنعوا مجتمعًا صالحًا .