حكايات من الواقع: روح جديدة!
كتبت/ مي عبد المجيد
في لحظة فارقة بين الحياة والموت جئت إليك يتملكني يأس كأنه الأغلال تقيدني وتجرني إلي مصير محتوم لا مفر منه.
قلت لك إنني أتألم حتي يتهالك الصراخ مني في المستشفي, ينهش المرض عمري بلا رحمة لا حيلة لي فيه غير صبر منهك أروي به عطشا للحياة لا يرتوي ونوبات الغسيل الكلوي كل أسبوع تجفف الروح مني وتنسحب الحياة شيئا فشيئا وتغرق أمي في دموعها ويهرول والدي إلي سجادة الصلاة يتشبث بالدعاء لعله يغير قدرا بات محتوما.
أكثر من عشر سنوات وأنا أصارع الموت ألما وأملا.. طفولتي قضيتها في رحاب المستشفيات أتجول بين غرف العمليات بين جراحة وأخري بلا نتيجة فقد كنت أعاني من انسداد في الحالبين ما زاد معه نسبة البولينا في الدم وخضعت لثلاث جراحات ولكنها كلها باءت بالفشل حتي وصلت لأعتاب
الشباب في نهاية العقد الثاني من عمري وكانت نهاية الطريق الذي سلكته منذ طفولتي أيضا فقد اتفق الأطباء علي أنه لا محالة من زرع كلي لأن كليتي أصبحتا غير قادرتين علي العمل تماما و إن لم أزرع علي أن أنتظر مصيري المحتوم بموت محقق..!
كان الأمر صعبا علي أسرتي إلي حد المستحيل فأي متبرع بكليته يطلب ثمنا لها ما يتجاوز المائة ألف جنيه غير أن تكلفة جراحة زرع الكلي نفسها باهظة التكاليف ما تنوء به قدراتنا المادية وكأنه قدر أن أستسلم لفكرة النهاية, أنتظرها ألما وعذابا ما بين مستشفي وآخر تنغرس الأشواك في جنبي مرتين كل أسبوع أغسل الكلي, كان لزاما علي الغسيل وإلا أتعجل الموت ولكن أحدا لا يعلم أني أموت ألف مرة في كل مرة أغسل فيها..!
تغيب الحياة في عيني و تنسحب الأيام من عمري شاحبة قاتمة, وتأخذني خيالات النهاية إلي خارج الدنيا, ولكنه الأمل يبعث بتباشير نور بعيدة تخجل منها ظلمة اليأس في نفسي ما دفعني أن لا أقنط من رحمة الله, ولو أن لي عيشا علي الدنيا فسوف يسخر الله لي من الأسباب ما يجعل شاطئ الشفاء قريبا وأيا كانت الأمواج متلاطمة و تيارات الخوف عنيفة سأقاوم وأصارع يأسي ومرضي ولن أجعل أغلال الفقر والمرض تقضي علي..!
أتيتك سيدي وبريق الأمل في عيني ينير لي الطريق وحكيت لك كيف جئت الدنيا لأسلك فيها طريق شقاء و مرض, وأنا بعد مازلت في نعومة أظافري, لم أعرف اللعب وشقاوات الأطفال في سني, كان قدرا أن أدخل غرفة العمليات ثلاث مرات لأحقن الحالبين بمادة سيلكون طبية وفي كل مرة أمر بجراحة فاشلة حتي نجحت في المرة الرابعة وبعد أن استنفدت أسرتي كل ما تملك وعشت بعد ذلك علي حقن
الكورتيزون التي كتب علي أن أعيش عليها مدي الحياة وظننت أن أزمتي الصحية وصراعي مع المرض انتهي إلا أن القدر كان يخفي لي مرحلة جديدة من الصراع والألم تمتد معي من طور الطفولة حتي أعتاب الشباب فقد فشلت كليتاي وتوقفتا عن العمل ودخلت في ماراثون الغسيل الكلوي ومكابدة الموت يغالبني وأغالبه..!
ونشرت قصتي وتعاطف الناس مع مأساتي وحاجتي لزرع كلية تنتشلني من بين أنياب الردي وبعث الله لي طبيبا من أصحاب القلوب الرحيمة تأثر بحالتي وتبني حملة موسعة للبحث عن متبرع وتجميع المال من أهل الرحمة, وكذلك اتفق مع أطباء متخصصين ومستشفي أن يقوموا بإجراء العملية وزرع الكلي لي بدون مقابل.
شيئا فشيئا يتجدد الأمل وتتسع تباشير النور تقشع ظلمة اليأس حتي عندما وجد الطبيب المتبرع وأجري لي الفحوص والأشعات والتحليلات الطبية للتأكد من مطابقة أنسجة المتبرع بأنسجتي كانت هناك عقبة كبري, وهي أن المتبرع في حاجة للمال ولكنها لم تستمر طويلا فقد تم جمع تبرعات غطت تكاليف الكلية ووجدتني أمام التحدي الأخير للحياة وهو دخول غرفة العمليات للمرة الأخيرة إما تنفتح عيني مرة أخري علي الدنيا وتستضيء بنورها وإما تغلق للأبد.
أنظر إلي دائرة كشافات النور فوق مني وكأنها عيون الحياة تمر أحداثها في مخيلتي كأنها شريط سينمائي يوشك أن يسدل ستار النهاية وسرعان ما يسري المخدر في عروقي, لحظة خاطفة أظلمت فيها الدنيا وانفتحت وكأن ما مر علي ليس أكثر من هذه اللحظة, ولكن أكثر من ست ساعات مضت أثناء الجراحة أفقت بعدها لأعلم أني ولدت من جديد.
زرعت الكلية في جسدي وزرع معها نبت أمل ويقين في رحمة الله لا ينقطع ووجدتني بعد مرور شهور علي العملية وقد استعدت رونق الحياة ونضارتها أكتب لك لأقول للناس من خلالك أني وجدت من يمد لي يد الرحمة وينقذني من موت كان محتوما وأن الخير في وفي أمتي إلي يوم القيامة مصداقا لحديث رسولنا الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
س . م
شيء من الأمل يا ابنتي ينقصنا في مواجهة صعاب الحياة لأنه إن وجد ليسر لنا أشياء كثيرة وزلل صعابا قد تبدو مستحيلة وأنت حقا من الصابرين المحتسبين عذابك عند ربك ترجينه توسلا و يقينا أن يهبك أملا جديدا في الحياة وشفاء ليس بعده سقم وكان الله عز وجل رحيما بك رءوفا بحالك وهيأ لك من عباده من اتخذ من مأساتك هدفا ورسالة له يسعي بها و بك إلي شاطيء النجاة, تواصل معنا وسخر كل قدراته
من أجل إنقاذ حياتك لا يغعل ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله عز وجل فهو واحد ممن اختصهم الله بقضاء حوائج الناس, ولكن لولا أن قلبك مفعم بالإيمان والصبر لما استطعت تجاوز المحنة وصدق المولي عز وجل عندما قال مخاطبا نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم عندما بدأ الياس يداعب قلبه فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم(35)( الأحقاف).
أنت الآن يا ابنتي تقبلين علي الدنيا بروح جديدة للحياة ملؤها الصبر والتفاؤل ولعل آية الله ورحمته في حكايتك تكون نبراس أمل ورجاء لكثيرين أحاطت بهم أسوار اليأس وغرقوا في لجة المرض تستذلهم الآلام بلا رحمة
اقرأ أيضًا:
رفض الإبادة الممنهجة فى غزة ومساعى نقل الحرب لبلادنا
شكوك بين الديمقراطيين حول قدرة بايدن على هزيمة ترامب
إطلاق 5 ملايين رسالة إرشادية للمعتمرين عبر الشاشات الإلكترونية
الاحتلال لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس
زيزو وفتوح يحصلان على راحة من تدريبات الزمالك بعد الانضمام للمنتخب
دكتور يوسف شلتوت اخصائي أمراض النساء والتوليد في حوار خاص للرأي العام المصري والإجابة عن أهم الأسئلة المتداولة
الصحة: فحص 5 ملايين و474 ألف طفل ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع
نقدم لكم من خلال موقع (الرأى العام المصرى )، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.