كورونا حكمة التدمير وفن البناء
كتب_ على امبابى
لن يكون العالم كما عهدناه قبل كورونا، فهل ينقذنا الوعي فقط بذلك، ام سنحتاج وعيا جديدا للتكيف مع هذا العالم .
قلب فيروس كورونا كافة الموازين والحسابات العالمية في الاقتصاد والصحة والثروة والسلطة والتقنية والعدالة الاجتماعية. دول عظمى وكبري وكيانات عملاقة وجماعات متوغلة ومهن غالبة وصناعات تحولت، تغير وزنها وقيمتها وفهمها لمعني الانسان وقيمته ودوره في الحياة. اصاب الفيروس الانسان فقط ليكون نتيجته المرض فالموت الصامت، وان لم يبسط الله رحمته، فقد يمتد ليكون وباءا عالميا يدمر كيان الانسان على الارض! لم يطل التدمير الطبيعة الخضراء، الحيوانات، البنية التحتية او الحضارة المدنية التي صنعها الانسان. تدمير الصانع وليس المصنوع، هو اكبر عقوبة لاي مستثمر ايا كان حجمه ونوعه. وبغض النظر عن محاولات تأصيل هوية الحدث، بكونه مؤامرة عالمية او تأديب الهي او فساد بشري، إلا ان الوقت حان لعرض قيمة مقولة دارون بان (البقاء والاستمرار سيكون للاكثر تكيفا مع التغيير.)
سوف يقع تغيير جذري يمس صلب وجود الانسان، من حيث علمه وعمله وعاداته وفساده في الارض، تنبهت معها لأن رسالة فيروس كورونا اعم واشمل من رسالة الايدز! فرسالة كورونا موجهة الي تقويم سلبيات عموم البشر في عصرهم الذهبي! الاستغلال، الطمع، التطرف، اساءة استعمال الحقوق والسلطة، السيطرة والتلاعب، ذوبان العلاقات وانهيار القيم، الافتئات على الطبيعة، مخالفة ناموس الخلق، توحش توظيف العلم والتقنية في تدمير العقول والاخلاق (المخدرات/الميديا/الانترنت/الدين). عالم الانسان ذاته هو استهداف كورونا، وليس صنائع هذا الانسان الباقية لتتحدي توحشه وجدارته بالتغيير القسري بالفيروس المؤدب، ليبدأ عهدا مختلفا.
مفهوم تأديب/تدمير كورونا لعالم الانسان كما نعرفه، سيجبره قسرا على تغيير سلبيات سبب تدميره! وبنظرة سريعة علي مصنوعات الانسان في العصر الحديث، يمكن رصدها في منظومة السلطة والقانون والاقتصاد والصحة والامن والتقنية والعلم والتعليم والعمل. يليها منظومة العلاقات والعادات الاجتماعية والدين والترفيه. هذه المصنوعات عالمية التكوين على مستوي مجتمع الدول، فاتحاداتها، فتحالفتها، ثم المنظمات، فالشركات متعددة القوميات وعابرة القارات، فالدول الاقليمية، وتحتها تاتي المحافظات، فالمدن، فالاحياء، فالمجتمعات، فالاسرة، فالفرد
يولد الفرد/الانسان، وينمو ويتطور ويموت داخل سلسلة محكمة من هذه المصنوعات الافقية والرأسية على مستوي العالم، حيث تشكل وتقولب وتداول سلوك الانسان من عهود بعيدة، وحتي ديسمبر ٢٠١٩ تاريخ اكتشاف فيروس كورونا، الذي تنفس في مدينة ووهان بالصين،
هناك منهجين للتعامل مع عالم ما بعد كورونا؟
منهج ما قبل اكتشاف العلاج والسيطرة على الوباء، وهو الوعي بالازمة فقط، ويشمل محاولات الفهم والبحث والتحليل وتدابير الحماية وتداعيات الذعر او الاستخفاف، ومحاولات تنقية الوعي الديني والروحي وضبط السلوك كإنقاذ غيبي، يوكل للقدرة الالهية الحل بدون اتخاذنا الاسباب او التهاون فيها، وهذا هو المستوي الاول من الوعي الذي يصل حتي نهاية ٢٠٢٠ او منتصف ٢٠٢١. وهناك منهج استشراف وعي ما بعد علاج الوباء وبدء ظهور العالم الجديد، وهو وعي التكيف مع هذا العالم
من المتوقع اعادة صياغة لمفهوم وصور الديموقراطية وعلاقة الشعب بنوابه وحكامه، بعد سقوط قناعات عالمية عن فعالية التكتلات والعدالة الاجتماعية ونضج الوعي الجمعي. تغيير لمقاييس القوة الدولية ومعايير التقدم ووظيفة العلم والتقنية. تغير رمز قيادة العالم وجهاده للبقاء على القمة باستغلال اشكال الرأسمالية في ازمات اقتصادية مختلقة كأثر لاقتصاد كورونا، يعاد تدوير المال فيه باشكال مختلفة.
بتدبر تدرج ظهور التغيير في مستويات المجتمع البشري من مجتمع الدول الي قاريء المقال كما ذكر، فسنجد ان حتمية ترقية الوعي الحالي من الازمة فقط الي وعي التكيف مع العالم الجديد، يحتاج منا الي سرعة الاستعداد في حسم موقفنا هل سنقف حتي منتصف ٢٠٢١ ام سنحاول العيش في الجديد؟ تطوير القدرات الذهنية والمعرفية والصحية واللوجيستية، حتمي على جميع المستويات. الفكر التكاملي والتعاون التبادلي محسوم. وعي وملاحظة واحترام نقل وسرعة التغيير في مستويات المجتمع، سيكون ضمانة التأقلم معه بسلام. فهم واستيعاب شرع الله في اساسه وسبب احتياج الانسان له وأيسر طرق تطبيقه في حياته، سيكون بوابة السلام النفسي وبداية التغيرات الاجتماعية والاسرية. فرز واعادة تدوير المخلفات الشخصية والمجتمعية (المادية والفكرية والتراثية والفنية) سيكون بداية تشكيل ملامح عصر ثقافي ومعرفي جديد. سن قواعد حياة صحية وعادات ونظم عمل وسلوكيات ايجابية، سيمهد ظهور بنية انسانية اكثر مناعة صحيا وفكريا وماليا. الحياة بالاولويات والعمل بنتائج وتعديل وظيفة الترفيه، ستظهر منتجات جديدة تناسب تجويد الاداء وشحذه وليس فقط التسلية. استحداث منتجات تقنية (برمجيات/سمعي/بصري) تعالج سرعة ودقة الترجمة الفورية لجميع اللغات، سيكون هدفا لتحقيق منظومة المواطن الرقمي العالمي وتقارب الثقافات وتوحيد المفاهيم وعالمية التعليم والتدريب والعلاج. شحذ الهمم حاليا بتوقع صدمة التغيير وتداعياتها، سيبطأ من وقعها اذا صاحبها الفهم ومحاولة التأقلم قدر الامكان.
علي صعيد آخر، ستستمر جحافل بشرية اخري على مستوي العالم، في العزف على مستوي الوعي الاول، ومحاولة الدخول به الي ما بعد كورونا، وسيناضلون للاحتفاظ بمفاهيمهم ومكتسباتهم وطقوسهم وتابوهاتهم وقيمهم المنتهية، ولأن التغيير القادم يستهدف باقي ال٨٠ سنة من هذا القرن وما بعده، فسيكون هديره اعلي من وعيهم القاصر، الذي سيتقزم ويتلاشي مع التطورات المتشعبة، فلا يكون امامهم سوى تذكر مقالي الذي كتبته منذ سنوات عن ..
“تغير او مُت” فهو عالم ما بعد كورونا