دين ودنيا
شهر أوسطه مغفره
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن رمضان شهر المغفرة في صيامه ومغفرة للذنوب، وفي قيامه مغفرة، وفي الإحسان فيه مغفرة، وفي الذكر فيه مغفرة، وفي قراءة القرآن فيه مغفرة، وفي الصلاة فيه المغفرة ، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ” رواه البخارى ومسلم .
إن الله عز وجل قد جعلكم أمة وسطا فبادروا إلى ما يرضي ربكم الرحمن، تنالوا الخيرات والجنان ، وقد دخلت عليكم العشر الوسط من شهر رمضان ومضت العشر الأول، وفيها فضل عظيم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الوسط، في سنة من السنين، ثم أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، فاعتكف فيها حتى فارق الدنيا، واعتكف أزواجه من بعده.
فرمضان شهر مبارك؛ جمع الله فيه من الطاعات والقربات ما به تغفر الذنوب وتستر العيوب، وتمحى السيئات وتكثر الحسنات، وتقال العثرات وترفع الدرجات ، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه ” رواه البخارى ومسلم .
وقد قام النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل حتى تورمت قدماه، فقالت له السيده عائشة رضي الله عنها: ” كيف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: “أفلا أكون عبداً شكوراً” وفي العشر الوسط، خير كثير فيها مغفرة الرب لذنوب عباده، كما تقدم في حديث سلمان: أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
وكان في العشر الوسط فتوحات عظيمة على المسلمين، نصر الله فيها الإسلام وأهله، وأذل فيها أهل الإلحاد والمشركين، وأخزى فيها المنافقين؛ لأنهم يغيظهم ويحزنهم ما ينشر الإسلام ويخزي الكافرين ، ونصر الله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر، وهي في العشر الأوسط من رمضان، وسماه يوم الفرقان ، وفرّق الله فيه بين الحق والباطل، وهو يوم سبعة عشر من رمضان، وهو يوم جمعة.
فيا من أصبحت تستصغر الذنوب وتحتقرها، ولا تبالي بها؛ اطرُق باب المغفرة، فإن توالي الذنوب والإصرارَ عليها يجعل المرء يستصغر الذنب ويحتقره، يرتكب الكبائر وهي تبدو في عينه صغيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر” .
فيا من حُرمت الطاعة وثقلتْ عليك العبادة؛ اسلك سبيل المغفرة، فإن الذنوب تصُدّ عن الطاعة وتجعلها ثقيلة على النفس، فترى مَن كثرت ذنوبه وآثامه يَكره الطاعة ويستثقلها، ويُحبّ المعصية ويتلذذ بها، يَرمي بنفسه في مواطن السوء ومستنقعات الرذيلة، منتقلا من معصية إلى معصية ومن خطيئة إلى خطيئة .
فلا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، مهما بلغت ذنوبك، ومهما تعددت جرائمك، تب إلى الله وقف ببابه خاشعا ذليلا منيبا، وستجد ربك رحيما حليما كريما ، فهاهو ينادي عليك ، ويا من تريد المغفرة ، تب إلى الله، وعد إلى الله، فالتوبة تجُبّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” قال الله عزوجل: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة “. رواه الترمذي
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتَت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الرّان الذي ذكر الله ” ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ رواه الترمذى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: ” إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط “. رواه مسلم .
ويا من تشعر بقسوة القلب وغلظته ، هذا أوان المغفرة، لتطهر قلبك من أدران الذنوب، وتزيل عنه غشاوة السيئات ، فإن الذنوب إذا تراكمت في القلب قتلته، حتى يفقدَ صاحبه الإحساس بقبح المعصية وخبثها، وتصير المعصية عادة له يأنس بها ويفتخر بها، ولا يستحيي من ممارستها أمام الناس.
فهنيئا لمن خرج من رمضان وقد غفرت ذنوبه، وسترت عيوبه، ومحيت سيئاته، وكُفرَت خطاياه ، ويا خسارة من أدرك رمضان فانسلخ عنه قبل أن يُغفر له ، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ” رواه البخارى ومسلم .
فيا من تريد المغفرة حافظ على الصلوات، لتطهر قلبك من أدران الذنوب والسيئات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمسَ مرات، هل يبقى من دَرَنِه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ” فذلك مثلُ الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا “. متفق عليه.
الصفحة الرسمية لجريدة الرأي العام المصري