بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
دين ودنيا

وقفاتٌ مع القرآنِ الكريمِ ( ١ )

 

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

إنَّ القرآنَ الكريمَ هو كلامُ ربِّ العالمين ، وحبلهُ المتينُ ، وصراطهُ المستقيمُ ، وهو الذكرُ الحكيمُ الذي لا تزيغُ به الأهواءُ ، ولا تلتبسُ به الألسنةُ ، ولا تتشعبُ معه الآراءُ ، ولا يشبعُ منه العلماءُ ، ولا يملّه الأتقياءُ ، ولا يخلقُ على كثرةِ الردِّ ، ولا تنقضي عجائبه ، من عِلمَ علمه سبقَ ، ومن قالَ به صدقَ ، ومن حكمَ به عدلَ ، ومن عمِلَ به أُجِرَ ، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراطٍ مستقيمٍ ، وهو الكتابُ المهيّمنُ ، والمُصدّقُ لما قبله ، وهو الكتابُ الذي حوى بين دفتيّه معالمَ المنهجِ الإلهي المُوصّلُ إلى اللهِ بيْدّ أننا تنكّبنا الصراطَ المستقيم ، واستخدمنا القرآنَ الكريمَ في غيرِ ما أُنزلَ له ، واتخذه بعضنا مهجوراً ، وأرادَ به آخرون الدنيا ضاربينَ الصفحَ عن الآخرة ؛ لذلك كان لابد لنا من وقفاتٍ مع القرآنِ الكريمِ ؛ لتتضحَ بعضُ الأمورِ المُلتبسةِ ، وتُحلُّ بعضُ المسائلِ المُشكِلةِ ، وجاءت هذه الوقفاتُ على النحوِ التالي :

– الوقفةُ الأولى ” حكمْ حفظِ القرآنِ الكريم ِ ” :

يقولُ ابن قتيبة الدينوري : لم يفرضْ اللهُ على عباده أن يحفظوا القرآنَ كله ، ولا أن يختموه في التعلّمِ ، وإنما أنزله ليعملوا بمحكمه ، ويؤمنوا بمتشابهه ، ويأتمروا بأمره ، وينتهوا بزجره ، ويحفظوا للصلاةِ مقدارَ الطاقةِ ، ويقرؤوا فيها الميسورَ … وكان أصحابُ رسولِ اللهِ – ﷺ – ، ورضي عنهم ، وهم مصابيحُ الأرضِ ، وقادةُ الأنامِ ، ومنتهى العلمِ . إنما يقرأُ الرجلُ منهم السورتين ، والثلاثَ ، والأربعَ ، والبعضَ ، والشطرَ من القرآنِ إلا نفراً منهم وفقهم اللهُ لجمعهِ ، وسهّلَ عليهم حفظه ” تأويل مشكل القرآن ص 233 . وإن كانَ القرآنُ لم يُفرضْ حفظه على الأعيانِ ، فقد فُرضَ على الكفايةِ بالإجماعِ ، وفي ذلك يقولُ السيوطي : ” اعلمْ أنَّ حفظَ القرآنِ فرضُ كفايةٍ على الأمةِ …” الإتقان في علوم القرآنِ ج/1 ص 247 ، ويوضّحُ الجويني – رحمه اللهُ – ذلك بقوله : ” والمعنى فيه ألا ينقطعَ عددُ التواترِ فيه ، فلا يتطرقُ إليه التبديلُ والتحريفُ ، فإن قامَ بذلك قومٌ يبلغون هذا العددَ سقطَ عن الباقين ، وإلا أثِمَ الكلُّ ” الإتقان في علومِ القرآنِ ج/1 ص 247 ، ويبينُ الدكتور/ أحمد سالم عبد الله بِمَ يحصلُ فرضُ الكفايةِ ، فيقولُ : “ويحصلُ فرضُ الكفايةِ بحفظِ جميعِ القرآنِ من شخصٍ واحدٍ ” فيضُ الرحمنِ في الأحكامِ الفقهيةِ الخاصةِ بالقرآنِ ص 452 .

– الوقفةُ الثانيةُ “رفعةُ اللهِ لأهلِ القرآنِ ” :

إنَّ حاملَ القرآنِ ، العاملَ به له منزلةٌ عند اللهِ لا تعلوها منزلةٌ ، ومكانةٌ لا تدانيها في السموِّ مكانةٌ ، فهو من أهلِ اللهِ وخاصته ، قال – ﷺ – : ” إنَّ للهِ أهلينَ من الناسِ . قالوا يا رسولَ اللهِ : من هم ؟ قال : هم أهلُ القرآنِ ، أهلُ اللهِ وخاصته ” رواه ابن ماجه ، والإمام أحمدُ .
وبالإضافةِ إلى كونه من أهلِ وخاصته فبحفظه للقرآنِ ، والعملِ به بتدبرِ معانيه ، والمحافظةِ على حدوده ، وتحليلِ حلاله ، وتحريمِ حرامه ، ووقوفه عند متشابهه يكونُ قد أُوتي النبوةَ إلا أنّه لا يُوحى إليه ، قال رسولُ اللهِ -ﷺ – : ” من قرأَ القرآنَ فقد استدرجَ النبوةَ بينَ جنبيه غيرَ أنّه لا يُوحى إليه ، لا ينبغي لصاحبِ القرآنِ أن يجدَ مع من يجدُ ، ولا يجهل مع من جهلَ ، وفي جوفه كلامُ اللهِ تعالى ” رواه الحاكمُ .
فحاملُ القرآنِ – كما يقولُ الفضيلُ بن عياضٍ – حاملُ رايةِ الإسلامِ ، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ، ولا يسهو مع من يسهو ، ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحقِّ القرآنِ ” د/ محمود بن أحمد الدوسري : آداب تلاوة القرآن ص22 ، وقد كان سلفنا الصالحُ – رضي اللهُ عنهم – يعظّمون حملةَ القرآنِ أيّما تعظيمٍ ، فلقد جاء عن نافعِ بن عبد الحارثِ أنَّه لقيَ عمرَ بنَ الخطابِ – رضي اللهُ عنه – بعسفان ، وكان عمرُ استعمله على مكةَ ، فقالَ له عمرُ : من استخلفت على أهلِ الوادي ؟ قال : استخلفتُ عليهم ابنَ أُبزى ، قال : ومن ابنُ أُبزى ؟
قال : رجلٌ من موالينا ، قال عمرُ : فاستخلفتَ عليهم مولىً ، قالَ : إنَّه قارئٌ لكتابِ اللهِ تعالى ، عالمٌ بالفرائضِ ، قاضٍ ، قالَ عمرُ : أما إنَّ نبيكم – ﷺ – قالَ : ” إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقواماً ، ويضعُ به آخرين ” رواه مسلمٌ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى