ماذا عن وفاة أبو بكر الصديق
إعداد محمـــد الدكـــرورى
عبد الله بن عثمان القرشي، أبى بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استمرت فترة خلافة أبي بكر الصديق رضى الله عنه، في المسلمين قرابة سنتين وثلاثة أشهر تقريبا، ففي شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة للهجرة مرض أبو بكر الصديق مرض الموت بعد فترة وجيزة من استلامه للخلافة، وقد وردت في أسباب وفاة أبي بكر الصديق العديد من الروايات واختلف أصحاب السيرة في سبب وفاته رضي الله عنه، ومنهم من قال أن السم هو سبب وفاة أبي بكر الصديق.
وروى ابن شهاب أن الخليفة أبا بكر الصديق والطبيب المعروف الحارث بن كلدة قد أكلا شيئا كان قد أهدي إليهما، لكن الحارث انتبه لذلك، فقال لأبي بكر الصديق: “ارفع يدك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة”، وأخرج الحاكم وسيف عن ابن عمر أنه قال: “كان سبب موت أبي بكر وفاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، كمد ومازال جسده يضوي حتى مات” .
أي منذ وفاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أصاب أبو بكر الصديق كمد وضيق ومازال جسمه ينقص ويضعف حتى مات وكان ذلك من أسباب وفاة أبي بكر الصديق كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، وكما قيل أنه توفى بحمّى أصابته نتيجة اغتساله بماء بارد، وقد استمر مرض أبي بكر مدة خمسة عشر يوما، حتى كان يوم الاثنين، وفى ليلة يوم الثلاثاء في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة، قالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر قال لها: في أي يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في يوم الاثنين.
فقال: إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، ففيم كفنتموه؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال أبو بكر: انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين، فقيل له: قد رزق الله وأحسن، نكفنك في جديد، قال: إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى، وقد أوصى أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل أنه فى يوم الاثنين السابع من جمادى الآخر للعام الثالث العشر هجرى وكان يوما شديد البرودة اغتسل الخليفة رسول الله رضى الله عنه فى ذلك اليوم فأصيب بلفحة برد حم على إثرها واستمر محموما خمسة عشر يوما لا يستطيع الخروج للصلاة بالمسلمين، حيث كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينوب عنه فى ذلك بأمر من أبى بكر وكان الناس يدخلون عليه يعودونه وهو على فراش المرض و حالته تزداد سوءا، وكان عثمان بن عفان يمضى معظم وقته فى دار أبى بكر .
وفى اليوم الذى مات فيه أبو بكر الصديق رضى الله عنه دخل عليه عمر بن الخطاب لزيارته فقال أبو بكر يا عمر إنى لأرجو أن أموت من يومى هذا فإن أنا مت فلا تمسين يا عمر حتى تخبر الناس بذلك وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبح حتى تخبر الناس بذلك ولا تشغلنكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم، وكان آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا قول الله تعالى: ( توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين ) وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر الصديق، ولم ترى المدينة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوما أكثر باكيا وباكية من ذلك المساء الحزين،
وأقبل علي بن أبي طالب مسرعا باكيا مسترجعًا، ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر، فقال: “رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلاما وأخلصهم يقينا، وأشدهم لله يقينا، وأخوفهم له، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم عنده، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن رسول الله وعن الإسلام أفضل الجزاء،
فقد صدَّقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كذبه الناس، وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر، سماك الله في تنزيله صديقا فقال: ( والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ) واسيته حين بخلوا، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة، ثاني اثنين صاحبه في الغار، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمته، أحسن الخلافة حين ارتدوا، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي، ونهضت حين وهن أصحابه، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا،
ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وهنوا، وكنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعيفا في بدنك قويّا في أمر الله تعالى، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله تعالى، جليلا في أعين الناس، كبيرا في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز، ولا لمخلوق عندك هوادة، والضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه، القريب والبعيد عنك في ذاك سواء، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله عز وجل وأتقاهم، شأنك الحق والصدق والرفق، قولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم،
ورأيك علم وعزم، اعتدل بك الدين، وقوي بك الإيمان، وظهر أمر الله، فسبقت والله، سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا، وفزت بالخير فوزا مبينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله عز وجل قضاءه، وسلمنا له أمره، والله لن يصاب المسلمين بعد رسول الله بمثلك أبدا، كنت للدين عزا وحرزا وكهفا، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك” فسكت الناس حتى قضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت،
وجاء في رواية: إن عليًّا قال عندما دخل على أبي بكر بعدما سجي أنه قال: “ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إليَّ من هذا المسَجَّى” وقد توفي الصديق رحمه الله وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغسلته زوجه أسماء بنت عميس، وكان قد أوصى بذلك، ودفن جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب،
ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات الرجل الذى هو لا كالرجال، وفذّ لا كالأفذاذ، ويكفيه أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يُلقَّب بعتيق الله، ثم لُقب بالصديق، وهو أول من أسلم من الرجال، وهو أول مَن يدخل الجنة بعد الأنبياء، ويُدعَى من أبواب الجنة كلها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه دائما، ويقول: “جئت أنا وأبو بكر وعمر”، ويقول: “لو كنت متخذا من أُمَّتي خلِيلا ، لاتخذت أبا بكر ، ولكن أَخي وصاحِبي”رواه البخاري.