تحاول الأقلام الإستقلال بنوع فريد من نوعه من الأدب العربي. على الرغم من أنها أولا تعترف بتبعيتها وإنتمائها إلى مدارس وأقلام لا غنى لها عنها . وثانيا وإلى جانب إعترافتها هي غير مستعدة للإنفصال عن أمهات المدارس الأدبية فكريا ولغويا عاميا وعربيا . ولآننها لاحظنا وجوداً لأقلام لها باع طويل من البداية في سماء الإبداع وأرضها. وإستنتجنا أن هذا الإتقان والإحسان لا يأتي إلا رغبة في الظهور المتميز ولو كره الفشل . قررنا متابعة غالبية من أكتشفنا والأخذ بيدهم إلى أقرب سبيل للنجاح والنجاة من تبعية يرونها عبأ عليهم . إذا لم ينجحوا ويصبحوا بدورهم قصص تستحق القراءة …
وختاما يسعدني أن أضرب لكم مثلا عن هذه الأقلام. وهو قلم الكاتبة الشابة رحاب علي الصباغ من مصر . وأدعوكم لقراءة قصتها التي عنونتها ب” دفء أمي”
دفء أمي
السماء تمطر بشدة مصافحاً لها رزاز الرعد المخيف وكأن الليلة سوف يرفع الستر.
عن من ؟
سوف يرفع عن كلمة طيبة ،عن بسمة حانية ،عن أنفاس ملتهبة بالحب والعشق .
تلك الجميلة النائمة ذو الجسد النحيل والشعر القصير ،والعينين المليئة بالأدمع وكأنها قد حكم عليها بالمكوث راقدة .
السماء تمطر بشدة مصاحباً له الرعد ساقطاً على إناء أهل الدار المملوء بالماء
صاعدا الي ربة حاكياً له عن أول دمعة حرة تهبط من جفنيها
وضع الصغير يده ليلتقطها واضعاً يده على قلبها ناظراً إلى مقلتيها .
“رحيم” يبلغ من العمر ثمان أعوام يشبهها وكأنهم جسداً واحداً
-لا تقلقي، أنا بجانبك
ترسل إلية بسمات ليطمئن قلبة ثم تنظر إلى أعلى وتنظر إلية وحينها تصعد الروح إلى بارئها
إنتفض من مكانة في فزع ،لا يعلم لماذا
هل إنتفض عندما جاء ببالة الفراق
-أرجوكي لا تتركيني ،لا أعلم ،لا أرى ،لا أسمع بدونك
صرخ بصوت كاد أن يخترق عنان السماء
-أمي
لم يهدأ أبداً ، بدأ بتحريك جسدها النحيل ثم سقط بين أحضانها كظمئان يرتوي دفء أحضانها
-أعلم يا أمي أنهم كاذبون ، أنت لم تذهبين
سقط بجانبها وكأن جسده لم يتحمل ما حدث ومالم يحدث بعد
وكأنها إعانة رحمة من الله لكي تمر أثقل الساعات دون الشعور بها
-أمي ،أختبئوا منك ،هل تعلمين أين أنا ؟
-أين أنت يا بطلي؟أشتاق إليك كثيراً
-حقاً يا أمي
-نعم يا عزيزي
-أجل سوف أظهر، الآن ،واحد ،إثنان ،ثلاثة ،ها أنا ذا ، بطل أمي
هرول الصغير إلي أحضانها معانقاً في شغف وسعاده .
-أمي ،لا تتركيني أبداً
-لا تقلق يا صغيري ،لا ولن ولم أتركك أبداً
جلس أمامها في تأدب أكلاً من يدها ما لذ وطاب وكأن الصغير يروي طمئاً وقلباً.
-رحيم ،رحيم إستيقظ ،ننادي عليك منذ وقت طويل
-نعم يا أمي ، إستيقظت
إندهش عندما رأه ولم تكن أمه من توقظه
-جميل ، أين أمي ؟
تأفأف ذاك الجميل قبيح القلب
-أمك ماتت ، هيا لتذهب معنا إلى بيتنا
إنهمرت الأدمع من عينيه على الفراق ،شعر الآن بأنه كان حلم .
ياليت الحزن بسقوط الدمع فقط ،فقد سكن الفؤاد حزناً كمثل ظلام دامس ،لا نور فيه ولا رشد
نهره بشده ذاك القبيح على سكونه الحزين
-إنهض، أمي تنتظرنا يا حضرة الأمير المدلل
رفع رحيم عينيه للسماء منادياً إياها
-أمي ، أين أنت إشتقت إليك ، أسكني دربي ،سوف أمكث تحت أقدامك ، لا أتعبك أبداً
أتت سيده سمينه بعض الشيء تأمر كل من يقابلها حتى نظرت إلى رحيم بتعالي وكبرياء
-أنت يا هذا ، لما لم تنهض ننتظر الأمير أم ماذا
طمث الصغير أدمع كادت أن تهبط لتعانق وجنتية الكسوه بالحمره
-لا يا خالتي لن أذهب الي مكان، أمي ذهبت وعائده مرة آخرى
ضحكت بشدة أثر حديث الصغير
– لن تأتي أمك، هيا لن ننتظرك طويلاً
-أجل يا خالتي سوف أذهب
إستسلم الصغير وكأنه تذكر ما قالته له أمه في نومة بأنها لن تتركة أبداً ،يعلم أنها صادقة
وصلوا جميعاً إلي بيت صغير ،حتى وجد من يدفعه بشده للداخل وكأن قلبة نُزع منه الرحمة
-لما تدفعني هكذا ،كِدت أن أستضدم بشئ
-لا تقلق لن تستضدم يا عزيزي ،إذهب إلى الخارج ولا تدخل حتى أءذن إليك
-أين العم ،لما لم أراه
-ذهب إلي الجحيم ، جميل يا ولدي الحبيب هيا لتأكل شيء ،لم تضع يا صغيري شئ في فمك منذ الصباح
-أجل يا أمي ،أحسنتي ،فأنا أتضور جوعاً
جلس رحيم خارج المنزل تحت أشعة الشمس الحارقة وكأن في هذا الوقت أشاعتها الذهبية إحتضنت أرضاً ولم تعلم بجلوس الرحيم ليمتصها هو دون أن يشكوا
حل المساء ونام رحيم مكانة دون أن يسأل أحد عنة وكأنه سراب
-رحيم ، أين أنتا يا بني ؟جئت إليك بطعام تحبة ،هيا يا بطلي .
أسرع إليها محتضناً إياها
-أمي ، أشتاق إليكي كنت حزين جداً بدونك ،لا أريد البقاء هناك ، لا أحد يحبني هناك
-لا تقلق يا بني الله معنا يحبنا ويرعانا
-حسنا ً يا أمي ،لن أقلق ،هيا أطعميني أنا جائع جداً
-إستيقظ يا بني لما أنت نائم هنا
-نعم ،أمي ،أستيقظ ، جائع
-ما بك ؟يا بني لما أنت نائم هنا
صمت رحيم ولم يتكلم ،فصمته صمت حزنٍ وضعف وأنين
-أريد أن أنام يا عم جسدي يتعبني
-هيا يا بني
ضمه الي صدره وذهب بة إلي مرقده ليضعه علية.
-إسترح يا بني ، لا تقلق الله معنا
– أمي أنتي هنا ، خذيني معكِ، لا أحد هنا مثلك ،دفئك يحيني ، منكِ أمني ومأمني وراحتي نور عيني من ضيائك ،منارتي أنتي ترشديني ولا أحد سواكي
قضيت يوماً من عمري دونك ولم أقوى بعده ، هل لي يا أمي أن أكن جوارك ؟
ضمته بثيابها الابيض المرصع بالجواهر البيضاء وكأنها أضائت ما بين المشرق والمغرب بإبتسامتها الجذابة وكأن أعوام من الداء قد بُدلت لشباب ونعيم دائم
-هيا بنى يا بني قد حان الرحيل ، لن تقوى على العيش بدون قلوب رحيمه
سكن الصغير أحضانها ليرتدي ثم ذهب معها وأرتفعت روحه إلى بارئها