النفاق ،، والقضاء علي المجتمع
النفاق ،، والقضاء علي المجتمع.
كتب د/ عبدالناصر التهامي
علي الرغم من أن هناك العديد من الأمراض التي أصبحت ضمن التحديات التي تسيطر على تفكيرنا سواء أكانت أمراضا جسدية أو عقلية منها ما هو مستعص أوما يمكن علاجه.
من بين ذلك مرض خبيث خارج عن زمرة هذه الأمراض ينمو بسرعة هائلة لدى أبناء المجتمع الي أن اصبح جزء من حياتنا، يُصنفه البعض بأنه أخطر من السرطان وأمرّ من الصبر مقارنة مع الأمراض الموجودة المعروفة، إنه مرض النفاق الاجتماعي الذي يفسد حياة المصابين به ويؤدي بهم الى الضياع والسقوط في الهاوية والهلاك ، لأنه يحتوي على الكثير من السلوكيات الخاطئة وعلى رأسها الكذب.
وللتفريق بين المجاملة والنفاق، فالمجاملة شيء طيب فهي من الجمال والتودد والتلطّف، وهي خصلة مطلوبة بين الناس لإبقاء العلاقات الإنسانية مُتماسكة وهي ضرورة من ضروريات الحياة ، فالله أمرنا بالكلام الطيب الجميل قال تعالي: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] فلذلك يجب على المسلم أن يُجامل الناس ويقول لهم كلاماً طيباً ليناً لكن من دون تحقيق مصلحة .أما النفاق فهو من النفق أي المكان المظلم الذي يختفي فيه الإنسان، ويكون النفاق فيه مصلحة ومن علاماته السكوت عن الخطأ، والتملّق لنيل الرضى خوفاً من الفقدان والخسارة لمن هم في مواقع السلطة وصنع القرار.
قال العلماء …..أهل النفاق لا يعيرون اهتمامًا لأصحاب الكفاءات، وإنما يعتمدون على من يُطاوِع نفاقهم، مما يؤدي إلى هجرة الكفاءات وهم مُحمّلون بالحقد على مجتمعهم، بسبب أن المناصب القيادية في المؤسسات والهيئات لأهل التملق والنفاق.
الا أنه يجب علي الإنسان أن يحترم مديره في العمل، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- “وأنزلوا الناس منازلهم” وذلك من باب أن منزلته كبيرة، ولأنه مثلاً محترم وعلاقته طيبة في التعامل مع موظفيه، لكن أن أحترمه وأتقرب منه لأصعد على أكتاف رفاقي فذلك نفاق وتملق”.
جاء أحد الأشخاص للمشاركة في مراسم الدفن والعزاء الخاصة بابن أحد المسؤولين، ثم قام بنشر صورة تواجده في العزاء على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي. وحين انتهى من أدب المناسبة سأل أحد زملاء العمل في المقهى «هل رآك المسؤول في العزاء ليعلم أنك كنت متواجداً؟» فأخبره بحسرة «كان المكان مكتظاً بالناس ولم أتمكن من رؤيته»، فيجاوبه بنبرة شفقة «إذاً تواجدك كان من عدمه».
لقد طغى على حياتنا المعاصرة النفاق والمجاملات التي تتجاوز الحد المعقول ليس فقط في الحياة الواقعية بل في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، فبات بعض الناس يلبسون الأقنعة المزيفة لإخفاء حقيقتهم غير المقبولة ونفوسهم المشوهة بمختلف النوايا والسلوك الاجتماعي السلبي، ويظهر ذلك فيما يسمي بالمنشورات والتعليقات للآخرين، يقول أحد المتقاعدين من المناصب المرموقة إنه عندما تقاعد من منصبه لم يتردد على مجلسه إلا قلة من أفراد عائلته وأصدقائه لأن مصلحة المنافقين انتهت بتقاعده من منصبه.
هناك الكثير ممن يعتمدون بشكل أساسي على أسلوب النفاق الاجتماعي ليكون جسر عبور إلى احتياجاتهم بطريقة غير مباشرة، ويتفاقم استخدام هذا الأسلوب في البيئة التي يكثر فيها التنافس بين الموظفين الذين يسعون وراء المناصب والألقاب حتى ولو كان بالتسلق على أكتاف الآخرين.
قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) – سورة النساء: الآية 145، فالنفاق يعد من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى، لأن قول وفعل المنافقين يخالف تماماً ما في قلوبهم.
بعض الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام النفاق كأسلوب حياة قد تكون بسبب طريقة التربية والبيئة التي كانت تشجعهم دائماً على الظهور بمظهر مثالي، كما أنه لم يتم غرس القيم الأخلاقية بقدر كافٍ في مراحل الطفولة المبكرة.
علاج النفاق يبدأ أولاً من الأسرة، فالوالدان يجب أن يكونا القدوة أمام الأبناء بالتحدث أمامهم بكل صدق ومنحهم حرية التعبير عن آرائهم، أما المدرسة فدورها تعليم الطلاب البعد عن الكذب والنفاق في المجتمع. ومن المهم أن يتم تدريسهم مادة التربية الأخلاقية بشكل عملي لتكريسها في عقولهم حتى تصبح منهجاً وسلوكاً اعتيادياً بالنسبة لهم فيساهم في تنشئتهم تنشئة سوية.
يحتاج الأفراد إلى المصداقية في التعامل بمحاربة كل أشكال النفاق الاجتماعي في جميع الوسائل المتاحة بالأخلاق التي لها دور في تحصين الأجيال من الانزلاق في مستنقع النفاق. والعمل على بناء حياة عصرية قائمة على الصدق والقيم الأخلاقية والدينية، وبالتالي تضمن الدول الرقي الحضاري في المجتمع مهما شهدت من تطورات.