محمد حافظ الشرقاوي .. يكتب : عربية الست .. !
في خمسينات القرن الماضي كان مجموعة من شباب كلية الفنون الحميلة يرسمون في أحد شوارع حي الزمالك بالقرب من فيلا أم كلثوم، وكان كلبها آنذاك “فوكس” يتمشي بالقرب من الشباب، وفجأة هجم على شاب بسيط يدعى إسماعيل وعضه في ساقه وبسرعة أخذه زملاؤه وحرروا محضراً ضد صاحب الكلب ولم يكن أحدهم يعلم أنه كلب سيدة الغناء العربي كوكب الشرق ، وبعد أن حرر الضابط المحضر جاءه ضابط يحمل رتبة أعلى وعنفه على تحرير المحضر والأكثر أنه قام بحجز إسماعيل ” المجني عليه ” لمدة أسبوع لإجبارع على التنازل عن المحضر الذي حرره ضد “كلب الست”. هذه القصة تدولتها الصحف واستفزت وقتها المصريين الذين شعروا باهانة بالغة لما حدث للشاب البسيط معتبرين أن ” كلب الست ” أسعد حظا وذا كرامة من الشاب البسيط .
من بين من أستفزتهم الحادثة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم الذي قام حينها بزيارة الشاب في منزله وكتب قصيدته الشهيرة كلب الست التي أغضبت أم كلثوم ومن جاملها من صفوة المجتمع حينها بينما ثأرت لكرامة الشاب البسيط وأطفأت نيران المصريين تجاه كلب الست من أبرز كلمات القصيدة:
“إنت تسوى في النيابة
تسعمية م الغلابة
انت فين والكلب فين
انت كده يا اسماعين
طب دا كلب الست يا ابني
وانت تطلع ابن مين ؟!
تذكرت هذه الواقعة ، عقب الجدل الرهيب الذي غمر مواقع التواصل الاجتماعي ، خلال الأيام الماضية عن سيارة الفنانة ياسمين صبري الرولزويس ، التي أهداها لها زوجها عضو مجلس الشيوخ ورجل الأعمال أحمد أبو هشيمة وتقدر قيمتها بنحو 10 ملايين جنيه .
أما عربية الست ياسمين صبري ، فهي لم تدهس شابا غلبانا ذو جسد نحيف وأحلاما عريضة ، ولا مواطنا بسيطا أرهقته إلتزاماته الأسرية ، ولم تصدم فلاحا أنهكه موسما بلا حصاد ، ولم ترتكب أي جرم ، سوى أنها وضعت ملحا فوق جرح غائر في نفوس كل هؤلاء ، وزودت مرارة حياة المصريين ، و عمقت الفجوة الطبقية التي تتسع يوما بعد يوم .
المصريون الذين يتحملون نتاج التحولات الاقتصادية من حقبة لأخرى ، ويمنون أنفسهم بفارغ الصبر ، أن يأتي وقت حصاد ثمار كل تلك التحولات ، ولم يملوا أو ييأسوا من الالتفاف حول قادتهم ، الذين يطالبوهم بالصبر ، ويتوعدوهم بالرخاء .
المصريون الذين لم يسمعوا عن الملايين ، إلا في صفقات لاعبي الكرة ، وأجور الفنانين ، وثروات رجال الأعمال ، ولم يلمسوا الرفاهية والرخاء ، إلا من خلال استعراض تلك الفئة بسياراتهم الفارهة ، وقصورهم التي شيدوها خلف أسوار عالية تحجب عنهم عيون المتطفلين ، وأحقاد البسطاء .
تلك الفئة هم الأولى بالسؤال ، عن أموالهم من أين أكتسوبها ، و فيم ينفقوها ، هم الأولى بالمحاسبة ، لمعرفة حجم ثرواتهم الحقيقي ، ليدفعوا حق الدولة من ضرائب وخلافه ، بل هم الأولى لهم التباهي والتفاخر بحجم تبرعاتهم لصندوق تحيا مصر وللمشروعات العملاقة التي تنجزها الدولة ، أوللمسشتفيات والمشاريع الخيرية .
لم تخطئ الست ياسمين ، عندما أهداها زوجها سيارة جديدة ، انما المخطئ من جعل أمثالهم نجوما للمجتمع ، وكريمة فاخرة لتورتة مصنوعة من الدقيق المدعم .