للخلفِ دُرّ! بقلم د.أحمد الوحش
.
صوَّرته الأفلام والقصص -أحياناً- أنه رجلُ المستقبلِ، وصانعُ التقدمِ، وصوَّرته -أحياناً أخرى- أنه رمزٌ للنهايةِ وقاتلٌ بلا مشاعر أو وعي، اعتبره المشاهِدُ في الماضي أنه محضُ خيالٍ علمي، لكن في الآونةِ الأخيرةِ بدأَ هذا المولودُ الجديدُ في النموِ والتطورِ.
تدورُ قصةُ فيلم “I, Robot” من بطولةِ ويل سميث عن مستقبلِ الرجلِ الآلي أو “الروبوت”؛ حيث طُوِّرَ عددٌ كبيرٌ منهم لمساعدةِ البشرِ، لكن تحولَ الأمرُ إلى حربٍ أعلنها الآليون -الذين تمردوا- على البشرِ.
تناولت أفلام أخرى مناقشةَ تطوير الإنسانِ الآلي ومميزاته؛ ليصبحَ لديه عقلٌ إلكتروني يشبهُ نظيره البشري.
إن خيالَ البارحةِ بات اليومَ واقعاً ملموساً في مجالاتٍ عدةٍ، ساهمَ الإنسانُ الآلي في تسهيلِ مصاعبِ الحياةِ، ورفعِ جودةِ الصناعاتِ، وتقليلِ نسبةِ الأخطاءِ البشريةِ، فهو مبرمَجٌ؛ ليجري ملايين العملياتِ الحسابيةِ في أقل من بضعِ ثوانٍ.
لن تقفَ مجدداً في هذا الصف الطويل في المصالحِ الحكوميةِ، وستتناول وجبتك المفضلة من المطعمِ -الذي تترددُ عادةً عليه- بجودةٍ عاليةٍ وثابتةٍ، تخيل منزلك نظيفاً ٢٤ ساعة في اليومِ دون أن تشعرَ زوجتك بالإرهاقِ…إلخ من مميزاتٍ لم تكن متاحةً في الماضي.
كتلةُ المعدنِ تلك قادرةٌ على فعلِ كثيرٍ من الأمورِ التي نعجزُ عنها -نحن البشرَ-.
نعم، “كتلة المعدن”… لا تملكُ لحماً تسري الدماءُ في عروقه، أو عصباً يُشعِرُها بالألم، مبرمَجةٌ على مثاليةِ التنفيذِ، والطاعةِ العمياءِ لشتى الأوامرِ، لكنها تفتقرُ إلى الضميرِ والمشاعرِ التي لا يتميزُ بها إلا كل ما خلقه اللّٰه عز وجل.
تخيل أن آلياً تم برمجته؛ ليصبح جندياً في الجيشِ تُحَتِمُ عليه مثاليةُ التنفيذِ، والطاعةُ العمياءُ أن يقتلَ دون تفكيرٍ، ماذا لو وقفت أمامه امرأةٌ؟ أو لاعبه طفلٌ؟ أو مر أمامه شيخٌ أعزل؟
لم يكن البشري ليطلق النارَ رحمةً، لكن هذا المعدني سيقتلُ دون ترددٍ.
إن البشرَ بكلِّ ما توصلوا إليه من تطورٍ علمي وعقلي قد ارتكبوا من المذابحِ والمجازرِ ما لا يتناسبُ مع ضمائرهم ومشاعرهم، فتخيل ما سيرتكبه المعدني الصلبة مشاعره.
اليوم بدأ سيلٌ من الروبوتات في التدفقِ إلى سوقِ العملِ، أنستبدلُ الآلاتِ بأنفسنا؟
العملُ يعني الحصولَ على المالِ؛ لنعيشَ حياتنا الطبيعيةِ، فنأكلَ الطعامَ، وندفعَ فواتيرَ المياهِ والكهرباءِ…إلخ، فهل ستنتهي الأنظمةُ الماليةُ والاقتصاديةُ؟
إذا امتلكت الروبوتات كلَّ هذا العلم، والقدرة الحسابية العالية على حلِ المعادلاتِ والمعضلاتِ، ما فائدة المدارس والأنظمة التعليمية؟ بل ما الفائدة من البشر؟
إلى أين سيذهبُ الإنسانُ؟ وكيف سيعيشُ؟ وماذا سيصنعُ في حياته الخاملةِ؟
إن التطورَ البشري مرتبطٌ على مرِ العصورِ بنشاطِ الإنسانِ، اليوم نحن نتحدثُ عن خمولٍ بشري غير مسبوق، ملايين البشر بلا عملٍ، زيادةٌ كارثيةٌ في معدلاتِ البطالةِ، إن هذه الآلات المعدنية ستجلسُ على عرشِ العالمِ، وستسودُ من صنعوها، فالشرطةُ الآليةُ ستفرضُ القانونَ الملزمَ والرادعَ، المحاكمُ سيقفُ فيها البشرُ أمام قاضٍ آلي، حتى بائع الفريسكة على الشاطئ سيكون رجلاً آلياً.
يجب على الإنسانِ أن يستغلَ الآلاتِ في بعضِ المجالاتِ بحكمةٍ دون التخلي عن العنصرِ البشري، فمن الهامِ أن يمثلَ العنصرُ البشري ٨٠٪ من الموظفين على الأقل، وأن تُستَغلَ الآلات فيما يعجزُ عنه الإنسانُ فقط، وأن تُسَن قوانين تنظمُ سوقَ العملِ وتصنيعَ الآلات، أو سيصبح الإنسان يوماً ما تحت رحمةِ من لا يمتلكُ الرحمةَ.