استخدامات الهندسه الوراثيه لهزيمه البعوض الناقل لطفيل الملاريا القاتل من التجارب الواقعيه المنضبطه
كتب : د. خالد كمال حسين
سئم العالم من كثرة الأضرار التي يسببها البعوض، لا سيما على صعيد نشر مرض الملاريا القاتل، الذي يقتل طفلا في أفريقيا كل دقيقة، ويتسبب في وفاة 1300 طفل يوميًّا في الدول الأفريقية الواقعة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وتقول المنظمة: إن مرض الملاريا أودى بحياة نحو 627 ألف شخص عام 2012، غالبيتهم من أطفال جنوب صحراء أفريقيا ممن تقل أعمارهم عن 5 أعوام، كما أن نحو 3.2 مليار شخص -معرضون لخطر الإصابة بالملاريا.
لذلك انطلقت مجموعات من العلماء تعلن الحرب على البعوض الناقل للمرض، وتبحث عن وسيلة لمواجهته، متسلحين في ذلك بعلوم الهندسة الوراثية، وانقسم العلماء إلى فريقين، الأول يبحث عن وسيلة لإبادته إلى حد الانقراض، بينما يعمل الثاني على تعديل جيناته لجعله مقاومًا لطفيل الملاريا، فلا يعود ناقلا له.
وقد توصّل باحثون أمريكيون إلى جين جديد يجعل البعوض -الناقل الرئيسي لمرض الملاريا القاتل- مقاومًا للعدوى، واكتشفوا أن تلك الجينات المقاومة تنتقل بالوراثة إلى الأجيال الجديدة من البعوض، بنسبة نجاح بلغت 99.5%.
ونقلت دورية الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم عن الباحثين بجامعة كاليفورنيا قولهم: إن البعوض المعدل وراثيًّا يمكنه أن يلعب دورًا محوريًّا في تربية جيل مقاوم، يحل محل البعوض الحامل للملاريا.
وأوضح الباحثون أنهم أدخلوا جين “مقاومة” جديدا في الحمض النووي للبعوض، وعند تزاوج البعوض المعدل وراثيًّا، اكتسب نسله نفس صفة المقاومة.
وبعد تعديل الجين الجديد عند البعوض؛ فلن يتمكن من نقل الطفيليات المسببة للملاريا إذا لدغ هذا البعوض شخصا ما.
وأجرى فريق البحث تجربة على نوع من البعوض في قارة آسيا، وتحديدا في الهند، يُطلق عليه (أنوفيليس ستيفينسي)، وإذا نجحت التقنية المختبرية في الواقع، فإنها قد توفر وسيلة جديدة لوقف الحشرات اللادغة من نقل الملاريا إلى البشر، بحسب العلماء، وقد نوه الباحثون إلى أن النتائج تعطي الأمل في أن نفس الأسلوب قد ينجح مع أنواع أخرى من البعوض.
وعمل الدكتور أنتوني جيمس -قائد فريق البحث بجامعة كاليفورنيا- على الجينات المعدلة وراثيًّا عند البعوض في المختبر لما يقرب من 20 عامًا، وقال جيمس: إن التقنية الجديدة يمكن تطويعها للقضاء على الملاريا.
ويدرس علماء آخرون تعديل البعوض وراثيًّا ليصبح عقيمًا لحين انقراضه، لكن بعض الخبراء يخشون من أن القضاء على البعوض تمامًا قد يكون له عواقب غير متوقعة وغير مرغوب فيها، لكن عملية استبدال البعوض الحامل للمرض، وإحلال سلالات أخرى غير ضارة قد يكون بديلًا محتملا.
وينتقل الملاريا عن طريق طفيلي أحادي الخلية، وتقوم أنثى بعوض (أنوفيليس) بالتقاط الطفيلي من الأشخاص المصابين بالعدوى عند لدغهم، للحصول على الدم اللازم لتغذية بيضها، بعدها يبدأ الطفيلي بالتكاثر داخل البعوضة، وعندما تلدغ شخصًا آخر، تختلط الطفيليات بلعابها، وتنتقل إلى دم الشخص الملدوغ.
كما اشارت دراسة حديثة اخرى إلى أن فطريات، معدلة وراثيا تنتج سم العنكبوت، يمكنها القضاء بسرعة على أعداد ضخمة من البعوض الذي ينشر مرض الملاريا.
وأظهرت التجارب التي جرت في بوركينا فاسو، أن عدد هذا البعوض قد تراجع بأكثر من 99 في المئة خلال 45 يوما.
يقول الباحثون إن هدفهم ليس إبادة البعوض ولكن المساعدة في وقف انتشار الملاريا، الذي يصيب 219 مليون شخص سنويا.
في البداية حدد الباحثون في جامعة ماريلاند الأمريكية ومعهد أبحاث IRSS في بوركينا فاسو، فطريات ميتارازيوم بنغشانس Metarhizium pingshaense التي تصيب بشكل طبيعي بعوض (أنوفيليس) الذي ينشر الملاريا.
وفي المرحلة الثانية، قاموا بتعديل هذه الفطريات وتحسينها وراثيا حتى يمكنها إنتاج سم العنكبوت.
و نجح الباحثون في إضافة الأوامر الجينية إلى الشفرة الوراثية للفطريات لإنتاج السم، بحيث تبدأ في إنتاجه بمجرد وجودها داخل البعوض.
وأوضح البروفيسور سانت ليغر أن “العنكبوت يغرس أنيابه في الحشرات ويحقن السموم، وتم استبدال الأنياب بميتارازيوم”.
وأظهرت الاختبارات المعملية أن الفطريات المعدلة وراثيا يمكن أن تقتل بشكل أسرع، بينما هناك عدد أقل من الجراثيم الفطرية يمكنها القيام بهذا. والخطوة التالية هي اختبار الفطريات في بيئة أقرب ما تكون إلى العالم الحقيقي لوجود البعوض.
ومن أجل التجارب تم إنشاء قرية غير حقيقية (ديكور) في بوركينا فاسو، بمساحة 6500 قدم مربع، وبها نباتات وأكواخ ومصادر مياه وغذاء للبعوض. وتم إحاطة القرية بطبقة مزدوجة من شبكات اصطياد البعوض لمنعه من الفرار.
تم خلط الجراثيم الفطرية بزيت السمسم ومسحها على قطعة قماش كبيرة من القطن الأسود. وبعد ذلك يتم دفع البعوض للوقوف على هذا القماش المغطى بالجراثيم ليتعرض للفطريات المميتة. وبدأ الباحثون التجارب على 1500 بعوضة.
وأظهرت النتائج التي نشرت في مجلة ساينس العلمية، أن أعداد البعوض ارتفعت عندما تُركت الحشرات بمفردها. ولكن بعد استخدام فطر العنكبوت السام، اختفى البعوض تماما وبقيت 13 بعوضة فقط بعد 45 يوما.
وقال الدكتور براين لوفيت، من جامعة ماريلاند “الفطريات المعدلة وراثيا أدت لإنهيار سريع في أعداد البعوض لتؤثر على جيلين فقط”.
كما أظهرت الاختبارات أن الفطريات استهدفت البعوض فقط ولم تؤثر على الحشرات الأخرى مثل النحل.
وأضاف: “ما نقوم به لا يهدف إلى انقراض البعوض، لكننا نسعى إلى وقف انتقال الملاريا في منطقة ما.”
وهناك حاجة إلى أدوات جديدة للتصدي للملاريا، حيث أصبح البعوض مقاوما للمبيدات الحشرية.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن الحالات تتزايد الآن في الدول العشرة الأكثر تضررا من المرض في أفريقيا.