بنك مصر
بنك مصر
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
مقالات

عميد الأدب العربي وقصة حب الزواج المستحيل

بقلم الدكتور فوزي الحبال

طه حسين عميد الأدب العربي و زوجته سوزان بريسو
هي من أكثر قصص الحب المظلومة عبر التاريخ و من أروعها على الإطلاق، حب قائم على الإختلاف بكل معانيه .
هو مصري و هي فرنسية هو مسلم و هي مسيحية، هو من عائلة فقيرة و هي من عائلة أرستقراطية، بشرته كلون القمح فاقد البصر و هي شقراء بعينين زرقاوين و رغم كل هذه الإختلافات إستمر زواجهما ٥٦ عام،
وكانت لقصة حبهما ثمرتين أنيس و أمينة وبعد وفاته لم يتوقف الحب و كتبت سوزان كتاباً تخلد فيه قصة حبهما أسمته “Avec Toi” أو “معك” .

بدونك أشعر أني أعمى حقاً، أما وأنا معك، فإنني أتوصل إلى الشعور بكل شيء، وإلى أن أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي، يقول المفكر المصري طه حسين في رسالة لزوجته سوزان بريسو، كتبها من فيينا، في حين جرت العادة أن ترافقه في جميع رحلاته، العلمية منها والترفيهية، تلك الفتاة الفرنسية المثقفة التي بدأت تتواصل معه في مونبلييه كقارئة، لتصبح بعد حين شريكة حياته لأكثر من خمسين عاماً، في علاقة تختصرها بقولها ما بيننا يفوق الحب.

حياة ثرية وصاخبة عاشها الزوجان، تحكي سوزان بريسو بعض جوانبها الخفية والحميمة في كتابها “معك”، إنجازات طه حسين ومعاركه الفكرية وسفرياته، الأولاد والموسيقى والطبيعة، تفاصيل كثيرة كان لسوزان الثقل الأكبر في رسمها، تستعيدها جميعاً بعد وفاة طه حسين بسنتين عام 1975في كتابها الذي يقدم صورة أرشيفية توثق واحدة من أكثر العلاقات الاستثنائية في القرن العشرين .

تقول سوزان في بداية كتابها، أريد أن أخلد للذكرى مستعيدة ذلك الحنان الهائل الذي لا يعوض، حنان فاض به طه حسين منذ سحر بصوتها لحظة لقائهما في 12 مايو عام 1915 في مونبلييه عندما كان يدرس التاريخ والجغرافية في كلية الآداب، وهي الهاربة من القصف الألماني حيث كانت تتلقى تعليمها في مدرسة المعلمين بسيفر Sèvres.
تقرأ سوزان إعلاناً في جريدة محلية أن طالباً شاباً أجنبياً أعمى يحتاج قارئاً، ثم تلتقيه لتنطلق قصة بدأتها بتردد استحال إلى يقين، جعلها تغادر بلادها وحياتها لأجله .
عن لحظة اللقاء تقول لم يكن ثمة شيء في ذلك اليوم ينبئني بأن مصيري كان يتقرر، ولم يكن بوسع أمي التي كانت بصحبتي أن تتصور أمراً مماثلاً .
قراءات يومية متبوعة بنقاشات حول الأدب الفرنسي واللغة الفرنسية، تجعل من سوزان أستاذته كما يصفها طه في كتابه الأيام بعد حين أنا مدين لها أن تعلمت الفرنسية، وأن عمقت معرفتي بالأدب الفرنسي، وأنا مدين لها أن تعلمت اللاتينية ونجحت في نيل إجازة الآداب، وأنا مدين لها أخيراً أن تعلمت اليونانية واستطعت أن أقرأ أفلاطون في نصوصه الأصلية.
ربما كان زواجها من أجنبي، أعمى، ومسلم، ضرباً من الجنون كما وصف أهلها الأمر، لكنها حسمت أمرها كنت قد اخترت حياةً رائعة، وليس ثمة ما يدعو للخجل عام 1917 تزوجا وسط ظروف صعبة في ظل الحرب العالمية الأولى، عن تلك الأوقات تقول لقد تعلمت في تلك الأيام أن آخذ نصيبي من كل المحن التي اختصت بها الحياة الرجل الذي كنت أحب، الجسدية منها أو المحن الأخرى .

تقول في فصله الأخير و في النهاية كُنا معاً دائماً وحدنا قريبين لدرجة تفوق الوصف كانت يدي في يده متشابكتان كما كانتا في بداية رحلتنا و في هذا التشابك الأخير تحدثت معه و قبلت جبينه الوسيم ، جبين لم ينل منه الزمن و الألم شيء من التجاعيد جبين لم ينل منه هموم الدنيا من العبس جبين لازال يشع ضوءً ينير عالمي .
كانت فائقة الجمال و رغم أنه لم يرها يوماً أحبها، و رغم فقدانه لبصره ، فإنها لم ترى ذلك يوماً وأحبته حب أعمى لا يرى الظاهر ،أحب روحها فأحبت روحه، فكان يرى الدنيا بعينيها و كانت تعيش بنبض قلبه إنه الحب كما يجب أن يكون .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى