متي نستخدم القوه لتدمير سد اثيوبيا
بقلم هاني عبدالقادر سليمان
بالرغم من إقرار الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة مبدأ حظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها فى العلاقات الدولية، فإن ذلك لم يحُل دون إقرار الميثاق ذاته فى المادة الحادية والخمسين منه بالحق الطبيعى للدول فرادى وجماعات فى استخدام هذه القوة فى الدفاع الشرعى عن النفس إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى، فاستخدام القوة دفاعاً عن النفس هو استثناء من الأصل العام، وهو إجراء مؤقت بطبيعته، تهدف من ورائه الدولة ضحية العدوان إلى ردع العدوان وقمعه، إلى أن ينعقد مجلس الأمن ويتخذ ما يراه لازماً فى هذا الصدد باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل وفق نظام الأمن الجماعى. ومن ثم يثور التساؤل عن الأحوال التى يعجز فيها المجلس عن القيام بدوره، هل يبقى استخدام القوة دفاعاً عن النفس استثناء؟ وهل تبقى طبيعته كإجراء مؤقت؟ بدهى أن الإجابة على هذين التساؤلين هى النفى الكامل، إذ يصبح استخدام القوة دفاعاً عن النفس بمثابة الأصل الأصيل، وتغدو طبيعته هى الديمومة وليس التأقيت.
وحرى بنا أن نؤكد فى هذا المقام أن هذه النتيجة المنطقية التى انتهينا إليها تصدق حتى وإن كان العدوان محدوداً، وتصدق بالضرورة، ومن باب أولى، إذا كان العدوان من الجسامة بحيث يهدد حياة الملايين من سكان الدولة المعتدى عليها، أو حتى يهدد وجودها ذاته. وإذا كان واضعو ميثاق الأمم المتحدة لم يتصوروا إمكانية حدوث عدوان يستدعى استخدام القوة المسلحة دفاعاً شرعياً عن النفس فى مواجهته، إلا أن يكون عدواناً مسلحاً، فماذا عن العدوان غير المسلح الذى يهدد حياة الناس أو يدمرها فى دولة أخرى، كقيام دولة بتسميم الآبار فى القرى الحدودية داخل إقليم دولة أخرى؟ أو قيام دولة بهجوم إلكترونى يترتب عليه قطع التيار الكهربائى مثلاً عن قطاعات حيوية فى دولة أخرى فيؤدى إلى كوارث اقتصادية أو صحية أو بيئية فى هذه الدولة؟ وماذا عن الحركات الإرهابية التى تمتلك أسلحة دمار شامل كالأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وتستخدمها أو تهدد باستخدامها فى مواجهة دول غير الدولة التى توجد هذه الحركات على أراضيها؟ هل لا بد من انتظار حدوث العدوان بالفعل حتى تشرع الدولة المهددة بالدفاع عن نفسها؟ ألم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق، بالرغم من مخالفة هذا الغزو لكل قواعد القانون الدولى ذات الصلة، لمجرد الادعاء بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد أمن المجتمع الدولى؟
أما فى خصوص سد النهضة فإن مثل هذه التساؤلات تصبح ترفاً فكرياً لا محل له، فهو يقام على بعد كيلومترات قليلة من حدود السودان، ومن ثم فإن انهياره بعد ملئه لعيوب فى تصميمه أو لأى سبب آخر يعنى كارثة وجودية بالنسبة للسودان ستمتد آثارها بكل تأكيد إلى مصر وقد تهدد بقاء السد العالى ذاته. ناهيك عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية شديدة الخطورة على حياة ملايين البشر فى كل من مصر والسودان، وما يعنيه هذا من اضطراب خطير فى أوضاع الدولتين. وفى ضوء هذا فإن الحديث عن أن ما تقوم به إثيوبيا فى هذا الصدد ليس عدواناً وفق منطوق المادة 51 من الميثاق لأنها لم تستخدم القوة المسلحة فيه، أو القول بأنه ليس عدواناً حالاً وإنما محتمل فحسب، إنما هو حديث هزلى لا قيمة له، فالعدوان قائم وحال بالفعل منذ شرعت إثيوبيا فى بناء السد دون إخطار مسبق لدولتى المصب، ومنذ امتنعت عبر عقد كامل من الزمان عن تقديم الدراسات الفنية والإنشائية المتعلقة بالسد، ومنذ استغلت حسن نية الدولتين فى استهلاك الوقت فى مفاوضات سقيمة عقيمة لم تؤتِ أى آثار حتى الآن. حاصل القول أن استخدام القوة، بكل عناصرها، أصبح خيار الضرورة، وهو من قبل ومن بعد حق مشروع لمصر والسودان يواجهان به تهديداً وجودياً لبقائهما على قيد الحياة. رحم الله الشابى حين قال:
كذلك قالت لى الكائنات .. وحدثنى روحها المستتر
إذا ما طمحت إلى غاية .. ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر