لا تتعجل بالحكم على الناس من أشكالهم
بقلم: يحي خليفة
إِنْ حدَّثَكَ أحدُ المعارف عن إنسان لم تشاهدْه من قبلُ، أو شَدَّ انتباهَك صوتُ أحدهم في برنامج إذاعيٍّ مثلًا، ولا تعرف شكله؛ لأنك لم تره قطُّ من قبلُ، فإن ذهنك يقوم بشكل تلقائي برسم صورة افتراضيَّة لهذا الشخص، فيصور لك ملامحه على هيئة معينة بناء على مشاعرَ داخليةٍ خاصة بك، فإن حصل أن التقيتَ بهذا الشخص فيما بعدُ، فسوف تتفاجأ على الأغلب بأن الصورة الذهنيَّة التي لديك مغايرة تمامًا – أو إلى حدٍّ بعيد – لتلك الواقعيَّة التي تراها أمامك.
أحيانًا قد تقترب إلى حدٍّ ما، وفي حالات نادرة، فقد يَتَخيَّل دماغك بالصدفة المحضة صورة تكاد تكون مطابقة لوجه صاحبها الحقيقيِّ وهيئته الخارجية.
إن دلَّ ذلك على شيء، فهو يؤكِّد أن ملامح وجه الإنسان في كثير من الأحيان لا تنمُّ عن طبيعته الداخلية، ولهذا فإنه خطأٌ فادحٌ نقع فيه بسرعة؛ الحكم على الأشخاص من مجرد رؤية ملامحهم قبل التعامل معهم، والتعرُّف بدرجة كافية على بعض مكنونات نفوسهم.
أنا أظنُّ أن دماغ الإنسان يَخْتَلِقُ صورة الشخص الذي لا نراه، بل نسمع صوته، أو نسمع عنه، وَفقًا لقاعدة البيانات المختزنة في العقل الباطن لمثل هذا الشخص، فقد تأتي هذه الصورة الافتراضية نتيجة تشابه الأسماء أو الأصوات مع شخصٍ عرفناه في الماضي، أو نعرفه في الحاضر، أو تشابهِ السِّيَرِ أو الأحداث التي نسمعها عنه مع أخرى، حصلت في الماضي مع آخرين عرفناهم من قبل، ولذلك تأتي هذه التخيُّلات أقربَ إلى الأحاسيس التي بداخلنا عن هذا الشخص لما هو مفترض أن تكون عليه هيئته.
ومما يعزِّز هذا الاحتمالَ: أنه لو طلب من مجموعةٍ من الرسَّامين المحترفين أن يرسموا وجه أحدِ المشاهير من القدماء الذين لا تتوافر لنا معلومات تصف لنا أشكالهم وهيئاتهم، لأتى كلُّ واحدٍ منهم بصورة مختلفة بناءً على مشاعره وانطباعاته الداخليَّة عن هذا الإنسان.
وهكذا لكل بداية نهاية ، وخير العمل ما حسن آخره وخير الكلام ما قل ودل وبعد هذا الجهد المتواضع أتمنى أن أكون موفقا في سردي للعناصر السابقة سردا لا ملل فيه ولا تقصير موضحا الآثار الإيجابية والسلبية لهذا الموضوع الشائق الممتع ، وفقني الله وإياكم لما فيه صالحنا جميعا