يحتفل الأقباط الكاثوليك، اليوم، في كنائسهم بذكرى القدّيس المجيد النبي إيليّا الغيور، وعلى خلفية الاحتفالات قال الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني،
في نشرة تعريفية أصدرها عنه، إن النبي إيليا كان من سبط لاوي، من عشيرة هارون، نحو سنة 890 قبل المسيح، في أيام آسا ملك يهوذا و آخاب ملك لإسرائيل، وقد اشتهر بجرأته وغيرته على عبادة الإله الحقيقي وحفظ نواميسه.
وأضاف “الفرنسيسكاني”، هو شيخ الأنبياء في العهد القديم بلا مُنازِع ونَموذج الغيرة الإلهيَّة في زمن شحّت فيه عِبادة الله وانصرف الأكثرون إلى ما درج من عبادات البعل وعشتروت،
لم يكن موقعه في وجدان اليهود، على مدى تسعة قرون، ليُدانى، حتى قيل إنّ أباه، لحظة ولادته، عاين رجالاً اتّشحوا بالأبيض يشتملونه بأقمطة من نار ويطعمونه لهباً نسبة إلى الغيرة الإلهية التي أكلته مدّة حياته.
وفي التلمود اليهودي أنّ الملاك أو رسول الربّ الذي صعد إلى السماء بعدما قدّم لجدعون تقدمته أمامه فمسّها بالعكاز وصعد في لهيبها إلى السماء.
موقعه في عبادة إسرائيل لم يسقط البتّة حتى كانوا يضعون له كرسيّاً شاعراً عند ختان كلّ صبيّ في إسرائيل وفي الفصح معلّلين النفس بظهوره بغتة. والعالم اليهودي توسّع في أخبار عجائب النبي الياس واهتّم بمناقشة أصله وصعوده معتبراً إياه بلا خطيئة، وقد حُسب من الملائكة واعتبر كمساعد للمؤمن في أوقات الشدّة.
وأوضح أن مار كلمة آرامية الأصل معناها “سيد” أو “رب”، وأصبحنا نستعملها بمعنى قديس، فنقول مثلاً مار إلياس، مار جاورجيوس،
مار نقولا، غير أن الاسم الرسمي لمار إلياس في النص العربي المعتمد للكتاب المقدس هو إيليا، أما النص العبري للعهد القديم فيسميه “إيلياهو” ومعناه “الرب هو إلهي”. كما يصفه الكتاب المقدس بالتشبيّ نسبة إلى تشبة في بلاد جلعاد الواقعة شرق الأردن. لكن اسمه الشائع في الأوساط الشعبية هو إلياس وهذه الصيغة منحدرة من اليونانية “إيلياس”.
إيليا، الاسم، يعني “إلهي يهوه” أو “إلهي إله العهد”. “تِشبه” التي ولد فيها ليس موقعها معروفا تماماً. ثمّة من يقول إنها بلدة في الجليل، في سبط نفتالي،
وآخرون أنّها في جلعاد شرقي الأردن، تجاه السامرة أنّى يكن الأمر فقد كان رجلاً يألف حياة الجبال ويتّسم يالصلابة والشجاعة وقوّة الاحتمال. يوصف بأنّه “أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه”. التقليد القديم يقول عنه إنّه كان قصير القامه، نذيراً، اسود الشعر،
يتدلّى شعره على كتفيه في شبه عرف الأسد. والمرجّح أنّ فترة نبوّته امتدّت قرابة العشرين عاماً وأنّه صعد إلى السماء في حدود العام ٩٠٠ ق م.
ظهور إيليا كان في أيام آخاب. هذا ملك على إسرائيل في السامرة اثنتين وعشرين سنة. سفر الملوك يقول عنه إنّه عمل الشرّ في عيني الربّ أكثر من جميع الذين قبله. ومردّ شرّه، بخاصة، اتخاذه إيزبيل، ابنة أتبعل، ملك الصيدونيّين، امرأة. أتبعل، بحسب يوسيفوس،
كان كاهناً للبعل. وإيزابيل كانت قوّية الشكيمة. جعلت، في قلبها، أن تمحو، من إسرائيل، عبادة الإله الحيّ. لذا عمدت إلى هدم مذبح الله وقتلت الأنبياء وأحلّت محلّهم أربعمائة وخمسين من أنبياء للبعل، وأربعمائة من أنبياء السواري أو عشتاروت. كما أب الآلهة ومصدر الخصب والقوّة والبهجة، فيما عشتاروت هي إلهة الخصب والشباب والجمال.
أيّ هو المصدر الحقّ للخصب: الإله الحيّ أم البعل وعشتاروت؟ لمعرفة ذلك شاء الربّ الإله أن يجعل الشعب أمام الاختبار القاسي فأوفد نبيّه إيليا التشبي إلى آخاب الملك قائلاً: “حيّ هو الربّ إله إسرائيل الذي وقفت أمامه لا يكون طلّ ولا مطر في هذه السنين إلاّ عند قولي”.
وحلّ الجفاف وامتدّ حتى إلى ثلاث سنوات وستّة أشهر. والجفاف استتبع المجاعة. إيليا، كان عليه، بأمر الله، أن يتوارى فاختباً عند نهر كريت،
مقابل الأردن. هناك عالته الغربان وشرب من النهر إلى أن يبس من انقطاع المطر. ثمّة، عند الله وقت للتواري ووقت للظهور. فحين يحلّ غضب الله على قوم تتوارى كلمته وتتصحّر النفوس.
وكان لا بدّ لإيليا أن يجوع. النبيّ لا يعاني من وطأة خطيئة الشعب عليه وحسب بل من نتائج هذه الخطيئة أيضاً ولو كان بريئاً لأنّه من الشعب. وكلمة الله كما ارتضى،
لا تخرج إلاّ من جوف البريء في قومه الآثمين. على أنّ الله لا يترك نبيّه من دون سند. لذا بُعث إيليا الى صرفة صيدون. هناك بأمر الله،
اعتنت بأمره أرملة قدّمته على نفسها وعلى أهل بيتها فأعطته قليل ماء لظمئه وصنعت له كعكة صغيرة لجوعه مستبركة بقول النبيّ: “هكذا قال الربّ إله إسرائيل إن كوار الدقيق لا يفرغ وكور الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي يعطي الربّ مطراً على وجه الأرض”. فكان للمرأة وأهل بيتها، كما قال النبيّ.
حلول إيليا في بيت الأرملة كان للبركة واليقين معاً. طُرق الرَّبّ دائماً محيّّرة. النصّ الكتابي يوحي بأنّ المرأة كانت في شيء من الشك من أمر إيليا فكان أن مرض ابنها واشتدّ مرضه حتى لم تبق فيه نسمة. إذ ذاك قالت لإيليا:”ما لي ولك يا رجل الله. هل جئت إليّ لتذكير إثمي وإماتة ابني”. الله، في الحسبان، صانع خير، ولكن قلّما يفهم الناس أنّه مفتقد أعزّته بالأوجاع.
ولا حتى إيليا فهم، فنسب إلى الله الإساءة: “أيّها الربّ إلهي أيضاً إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها”. فقط في نهاية المطاف يفهمون. وحتى ذلك الحين عليهم الاعتصام بالصبر والرجاء. إيليا، رغم اتهامه الله زورا ًبالإساءة، رغم قلّة فهمه لبث مؤمناً وصرخ “لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه”. فسمع الربّ لصوت إيليا ورجعت نفس هذا الولد إلى جوفه فعاش”. الله يسمع صوت المؤمن ولو شكّ لأنّه يعرف أنّ في الشكّ ضعفاً ولا يفهم بشري طرق الله. فقط عليهم أن يتعلّموا أن الله يأتيهم جديداً كل حين. ودفع إيليا الولد لأمه فهتفت: “هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأنّ كلام الربّ في فمك حقّ”. الولد، في تقليد قديم، كبر ليكون يونان النبيّ الذي أرسله الله نينوى.
نهاية إيليا في مسراه الأراضي، كانت أنّه عبر وتلميذه أليشع الأردن. وفيما هما يسيران ويتكلّمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء. وكان إليشع يبصر فصرخ: “يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها”. ولم يره بعد ذلك.
في الوجدان أنّ إيليا لم يمت. لذلك ظُنّ، على امتداد التاريخ، أنّه عائد. في نبوءة ملاخي قول للربّ تردّد: “هأنذا أرسل إليكم إيليا النبيّ قبل مجئ يوم الربّ اليوم العظيم المخوف فيردّ قلب الآباء على الأنباء وقلب الأنباء على آبائهم لئلا أضرب الأرض بلعن” (ملا ٤: ه – ٦).
إيليا، بكلام الربّ يسوع، هو إيّاه يوحنّا المعمدان الآتي بروحه. “جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنّا تنبّاوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي”(مت ١١: ١٣ – ١٤). كذلك ظُنّ أنّ إيليا سيعود ليشهد ويموت.
لذلك في الوجدان أنّه أحد النبيّين الوارد ذكرهما في سفر الرؤيا. هذان سيشهان ألفاً ومائتين وستّين يوماً ثمّ يُقتلان ثمّ يدخل فيهما روح حياة من الله فيقومان ويصعدان إلى السماء في السحابة وينظر أعداؤهما (رؤ ١١).
أمّا بقية أخبار إيليا النبيّ فنلقاها بحسب الترجمة السبعينية في سفرالملوك الثالث، بين الإصحاح السابع عشر وسفر الملوك الرابع، الإصحاح الثاني، أي ما يوازي في الطبعات العربية المألوفة سفر الملوك الأول، الإصحاح السابع عشر إلى سفر الملك الثاني، الإصحاح الثاني.